amr mamdoh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول
amr tv 2
أختر لغة المنتدى من هنا

اذهب الى الأسفل
عمرو ممدوح
عمرو ممدوح
Admin
عدد المساهمات : 175
نقاط : 534
تاريخ التسجيل : 04/05/2009
العمر : 34
الموقع : amrtv.co.cc

صفحتى
1: amr.co.cc
http://amrtv.yours.tv

تفسير سورة الحجرات  Empty تفسير سورة الحجرات

الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 8:48 am


[size=24]تفسير سورة الحجرات


فهد بن ناصر السليمان


المقدمة
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين وناصر المؤمنين ومخزي الظالمين والمنافقين أحمده حمداً كثيراً وأشكره شكراً جزيلاَ ، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :

إن مما منَّ الله به علينا أن يسر لنا هذه الدروس العلمية المباركة لعدد من العلماء المخلصين في نشر العلم ، فهم مصابيح الدجى وأعلام الهدى بهم يهتدي الحائر ويرجع إليهم السائل ، حفظهم الله وبارك فيهم ، ومن هؤلاء العلماء فضيلة الشيخ: فهد بن ناصر السليمان ـ حفظه الله ـ .
فقد طَلب منه إلقاء درس بجمعية البر الخيرية بالخرج بعنوان تفسير سورة الحجرات ، فبادر حفظه الله إلى ذلك وعند انتهاء هذه الدورة العلمية طَلب من الشيخ أن يكتب هذا التفسير القيم في مذكرة ليكون أقرب في مراجعته واستذكاره وأيسر في فهمه ، وقد أجاب الشيخ رغبتهم وأوصاني بجمع ماذكره في هذه الدورة حفظه الله ، وقد كتبت ماتيسر لي أن أكتبه ولله الحمد والمنة ثم عرضته على الشيخ .
وهذا التفسير مناسب للمعلم لطلابه ، والأب لأبنائه ، ومدرس الحلقة لتلاميذه ؛ لتميزه بسهولة أسلوبه ، وقلة ألفاظه ، وعدم التكلف ، وذكر أسباب النزول ، وتميزه بالاستدلال بأقوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقوال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأقوال العلماء المتقدمين والعلماء المعاصرين ، وذكر بعض المسائل التي يُحتاج إليها ، وذكر الفوائد المستنبطة بعد كل آية ومنها يتعلم الإنسان كيفية الاستنباط ، فعلى القاريء أن يقرأ هذا التفسير بتمعن حتى يفهم المعنى فهماً صحيحاً وأن يركز على الفوائد والآداب وأن يطبقها في حياته وأن يعلِّمها غيره .
هذه لمحة بسيطة عن هذا الكتاب ، أسأل الله العلي القدير أن يجزي فضيلة الشيخ خير الجزاء بما قال وذكر في هذا التفسير ، وأن يجعله في موازين حسناته يوم يلقاه ،وأن ينفع به المسلمين جميعا ، وأن يجعله من الثلاث التي تتبع الميت ، وجزى الله خيراً من ساهم في نشر هذا الكتاب لتعم الفائدة ، وأسأله سبحانه أن يجزي خيراً من أهدى إليَّ ملاحظاته على ماقرأ ليتسنى لنا استدراكها في التفاسير والكتب القادمة بإذن الله .
والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم .

كتبه :
عبدالعظيم الجريوي



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد...

فإننا نشكر الله عز وجل على ما يسره لنا من إقامة هذه الدورة العلمية بجمعية البر الخيرية بالخرج لتفسير سورة الحجرات نسأله سبحانه أن يجعل فيها منفعة لنا و للمسلمين أجمعين . وقبل البدء بذلك أقدم بمقدمة عن أهمية التفسير.

أهمية علم التفسير:
لا شك أن العلوم الشرعية مهمة لكل مسلم و مسلمة ولكن هذه العلوم تتفاوت من حيث الأهمية ولسنا هنا بصدد بيان خلاف العلماء رحمهم الله في أهم العلوم هل هو علم العقيدة أو علم التفسير أو علم الفقه أو علم الحديث؟ و إنما نحن بصدد بيان أهمية العلم لكل أحد لأن الله عز وجل قال: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿11﴾ ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴿28﴾ والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:{ من يرد الله به خيرا يفقه بالدين} ويقول عليه الصلاة والسلام: {من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة} إذاً العلم الشرعي جاءت الآيات والأحاديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحث عليه وبيان فضله وعظيم أثره في حياة الإنسان .

وعلم التفسير من أهم العلوم ومن أشملها ، أما إنه من أهم العلوم فلأنه يتعلق بكلام الله ولا أهم من كلام الله سبحانه و تعالى ولا أشرف من كلامه جل وعلا ومن ذلك أيضاً شمولية علم التفسير لسائر العلوم ووجه ذلك أن المتحدث في العقيدة أمره محصور فيها ، و المتحدث في الفقه أيضاً محصور في جانب الفقه ، أما المتحدث في التفسير فإنه تارةً يتحدث في العقيدة، و تارةً أخرى يتحدث في الأحكام الشرعية العـملية (أي فيما يتعلق في الفقه) ، وتارة يتحدث في الأخبار، أخبار الأمم السابقة وهكذا ...
فهو يتنقل بين العلوم جميعاً وسبب ذلك أن الله تعالى نزل القرآن تبياناً لكل شيء، فبينما تراه يتحدث عن صفات الله عز وجل، إذ به يتحدث عن أحكام الصلاة وبينما هو يتحدث عن أحكام الصلاة، إذ به يتحدث عن قصة موسى ـ عليه السلام ـ مع فرعون ثم عن قصة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهكذا...


ثم ينتقل مع آيات الكتاب الكريم حسب ما يمر به من الأمور الواردة في الآيات الكريمات ، إذاً هو أشمل العلوم لأنه اشتمل عليها جميعا ولكن التفاصيل تختلف من آية إلى آية أخرى و لمّا كان هذا العلم بهذه المثابة العظيمة كان لابد للمسلم الاهتمام به.

واجب المسلم تجاه علم التفسير:
لمّا كان هذا العلم وهو علم التفسير بهذه المثابة العظيمة كان لابد للمسلم ولا سيّما طالب العلم أن يعتني عنايةً خاصةً بعلم التفسير، ولكننا مع الأسف قل الاهتمام به إذ تقام الدروس و المحاضرات والدورات في شتى الفنون ويهمل في كثير منها علم التفسير .

طرق التفسير على وجه الاختصار:
النوع الأول:
تفسير القرآن بالقرآن فإذا جاءت آية مجملة جاء تفسيرها بآية أخرى وهكذا...
النوع الثاني:
تفسير القرآن بالسنة فبعض الآيات تأتي مجملة فيفسرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتفسير النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ القرآن إما بقوله أو بفعله.
النوع الثالث:
تفسير القرآن بأقوال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ .
النوع الرابع:
من العلماء من رجع بعد ذلك إلى أقوال التابعين، ومنهم من رجع إلى اللغة العربية، فهذه الطائفة يفسرون القرآن بالمراحل الأربعة، إذا وجدوا تفسير القرآن بالقرآن أخذوا به وإذا وجدوا تفسير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذوا به وإذا لم يجدوا في كتاب الله ولا في سنة رسوله ـ عليه الصلاة السلام ـ أخذوا بتفسير الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ثم إذا لم يجدوا أقوال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أخذوا بأقوال التابعين، أو بما تقتضيه اللغة العربية، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : إنََََََّ أصح الطرق في ذلك أن يفسّر القرآن بالقرآن فإن لم تجده فمن السنّة وإذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة لاسيَّما علماؤهم وكبراؤهم فإذا لم تجد التفسير في القرآن، ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة، فقد رجع كثير من الأئمّة في ذلك إلى أقوال التابعين .



وهناك نوع آخر وهو التفسير بالرأي:
هناك من فسر القرآن ولكن بالرأي، وهذا الرأي إن كان رأياً مجرداً فإنه مذموم قد حذر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله:{ من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار} والله عز وجل يقول: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ﴿36﴾ ويدخل في عمومه تفسير القرآن الكريم والكثير منا يعرف الأثر الوارد عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أي أرض تقلني وأي سماء تضلني إن قلت في كتاب الله مالا أعلم ).

وفي هذا تنبيه لطالب العلم أن لا يتكلم في كلام الله عز وجل إلا بما علم ، لكن قال العلماء : لا بأس أن يتدرب الإنسان على استنباط المعاني لكن دون الجزم بها حتى يراجع كلام أهل العلم، حتى يكون عنده ملكة على التدرب والاستنباط والتفسير فإن رأيت أنه صحيح فاحمد الله على التوفيق وإن رأيت أنه غير صحيح فانظر أسباب عدم الصحة كيف استنبطته مع أنه غير صحيح حتى يتبين لك الأمر قال شيخنا فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ : (أنا أرى أن يفهم ما كتبه العلماء فيها لأن هذا يفيد أن يكون قويا في التفسير غير عالة على غيره فالذي أرى أن الطريقة المثلى أن يكرر الإنسان تفسير الآية في نفسه، ثم بعد ذلك يراجع كلام المفسرين، فإذا وجده مطابقاً فهذا يمكِّنه من تفسير القرآن وييسره له، وإن وجده مخالفاً رجع إلى الصواب) وعلى كل حال يرجع الإنسان إلى علم أصول التفسير فهذه إشارات عابرة.






{ســورة الــحجـــــرات}
سميت بالحجرات لأن الله تعالى ذكر فيها حجرات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبيوت زوجاته رضي الله عنهن وأرضاهنَّ أجمعين...

قال الله تعالى: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾
ابتدأ الله سبحانه وتعالى الآيات بالبسملة وكل سورة من سور القرآن الكريم مبتدأة بالبسملة عدا سورة براءة وهي سورة التوبة.

تفسير الآيـــة:-
يقول الله عز وجل: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ وهنا ننبه على فائدة وهي أن بعض الناس يقول قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وهذا خطأ وليس بصحيح كيف يكون غير صحيح ؟ لأن الله تعالى لا يستعيذ من الشيطان الرجيم بل هو المعيذ من الشيطان فلا يصح أن يقال: قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأنك إذا قلت: قال الله جعلت الاستعاذة من قول الله يعني الله قال:أعوذ والله هو المعيذ منه ولكن قل: قال الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم ثم ابتديء السورة.

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿1﴾

تفسير الآيــــــة:-
ابتدأ الله سبحانه وتعالى هذه السورة الكريمة بهذا النداء العظيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ تنبيهاً لأهل الإيمان ، وكلنا أو كثير منّا يعلم قول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ حينما قال :إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ فأرعها سمعك فإما خير تؤمر به وإما شر تحذر منه . يعني انتبه لها وأعطها السمع والقلب دائماً إذا سمعنا الله عز وجل يقول : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ فعلينا أن ننظر باهتمام شديد إلى ما بعد آمنوا .

ولأهمية هذه النداءات في القرآن الكريم جمعها بعض أهل العلم وكل مسلم بإمكانه أن يجمعها هو ويصنف بمعنى يجعل الآيات التي وردت بالأمر في جهة والآيات التي وردت في النهي في جهة أخرى.

ومن فوائد قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ قال أهل العلم: لبيان أن الالتزام بما بعد النداء من مقتضيات الايمان إن كنتم آمنتم فمن مقتضيات الإيمان ألا تقدموا بين يدي الله ورسوله هذا ما يتعلق بهذا النداء في هذه الآية .

ثم قال تعالى: ﴿ لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ﴾ وفي قراءة أخرى قال تعالى: ﴿ لا تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ﴾ بفتح التاء والدال أما معنى قوله تعالى على قراءة: ﴿ لا تَقَدَّمُوا﴾ فهي مأخوذة من التقدُّم، أما على قراءة : ﴿ لا تُقَدِّمُوا ﴾ بضم التاء وكسر الدال أي لا تتقدموا بين يدي الله تعالى وبين يدي رسوله بأي قول وأي فعل .

سـبـب نـزول هذه الآيــة :ـ
هذه الآية الكريمة:ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ اختلف العلماء في سبب نزولها:ـ
1) أنه قدم وفد من بني تميم على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاختلف الصحابة في تأمير أي رجل منهم فأشار أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بالقعقاع بن معبد وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ بل أمّر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ما أردت إلا خلافي ،وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ ما أردت خلافك ، فتماريا ـ رضي الله عنهماـ حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله تعالى قوله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿1﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ....... ﴾ رواه البخاري فنرى أن هذا السبب من أسباب النزول قد جمع بين سبب نزول الآية الأولى وسـبب نـزول الآيــة الثانية وذلك لأنّهما تماديا حتى ارتفـعت أصواتهما ـ رضي الله عنهما ـ .
2) ذكر بعض أهل العلم ـ رحمهم الله ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد سفراً وأراد أن يستخلف رجلاً فأشار أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ برجل وأشار عمر ـ رضي الله عنه ـ برجل آخر فنزلت هذه الآية الكريمة وهذا القول والقول الأول من أقرب أسباب نزول هذه الآية وإلا فالعلماء ذكروا أسباباً أخرى لنزول هذه الآية الكريمة ، إذاً فكان التقدم في قوله تعالى : ﴿ لا تُقَدِّمُوا ﴾ بالإشارة بتأمير رجل مع أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد تأمير رجل آخر.

قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أمر من الله ـ سبحانه وتعالى ـ بتقواه، والتقوى لها شأن عظيم في القرآن الكريم.


ولا غرْوَ في ذلك فإن الله تعالى جعلها وصيته للأولين والآخرين كما قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ فجعلها الله وصية منه لسائر الأمم وإذا كانت لسائر الأمم فهي جديرة بالاهتمام .
والعلماء ـ رحمهم الله ـ اختلفوا في تعريفها والناظر في اختلافهم يجد أنه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد يعني تنوع العبارة وإلا فالمعنى الذي قصدوه واحد:ـ
* تعريف التقوى:
1) أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب ما نهى وإذا فعلت ذلك كنت من المتقين.
2) ألا يفقدك الله حيث أمرك وألا يجدك حيث نهاك، وهو مقارب لتعريف الطائفة الأولى
3) أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك ما نهاك خوفاً من عقاب الله، وهذا التعريف مطابق للتعريف الأول والتعريف الثاني وأكثر العلماء على التعريف الأول والثاني.

قال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
أكثر علماء التفسير إذا مرَّ بمثل هذه الخواتم(أي خواتم الآية) من أسماء الله يفسرها بما يناسب الآية يعني لا يأتي بالأعم الأوسع فيكون المعنى:ـ
سميع: لأقوالكم.
عليم: بأفعالكم.

فيقتصر البعض على كذا ، على أن العلم أوسع فالله سبحانه عالم بالأقوال والأفعال لكنهم لما رأوا الجمع بين السميع والعليم قالوا: السمع للأقوال والعلم للأفعال، وممن فسر بمثل هذا ابن كثير والقرطبي ـ رحمهما الله ـ .
وينبغي لطالب العلم أن ينتبه لذلك فهم لا يريدون قصر العلم على الأفعال فقط بل على السياق الذي ورد فيه ، قال شيخنا ـ رحمه الله ـ ﴿ عَلِيمٌ ﴾ أي عليم بما تقولون وما تفعلون، لأن العلم أشمل وأعم.

مســـألــة:ـ
وهي مسألة مهمة لطالب العلم ولكل من يقرأ كتاب الله عز وجل أنه ينبغي له أن يهتم بخواتم الآيات ويستفيد منها كما قال العلماء: فائدة مسلكية أي في سلوكه فالله ختم هذه الآية بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ فمقتضى ذلك أن لا يسمع منك إلا


ما يرضيه وألا يرى منك إلا ما يرضيه سبحانه وتعالى ، وهذه يسميها العلماء ومنهم شيخنا ـ رحمه الله ـ الفائدة المسلكية فهي الثمرة من الإيمان بالأسماء والصفات .
فحينئذٍ العلم بخواتم الآيات من الأسماء والصفات قد يكون علماً مستقلاً لكن يجب الانتباه إلى أنَّنا لا نتوغل في ذلك لأن البعض قد أوغل في الاستنباط والربط حتى تكلف في ذلك كما أن بعض ذلك الربط قد يكون ضعيفا ثم يكون المعنى بعيداً عن سياق الآية ، والذي يُؤكَّد عليه هـو الاهتمام بالخواتم من الناحية المسلكية .

من فوائد الآية:ـ
1) النهي عن التقدم بين يدي الله تعالى ورسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بأي قول أو فعل.
2) الأمر من الله سبحانه وتعالى بالتقوى لقوله سبحانه: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ وقد تقدم بيانـه.
3) إثبات اسمين من أسماء الله عز وجل وهما السميع والعليم وما تضمناه من الصفة .
4) إحاطة الله عز وجل بأعمال العباد .
5) في الآية اشارة إلى أن التقدم قد يكون بالقول لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لأنه قد يقدم كلام فلان وفلان على كلام الله ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد يكون التقدم بالفعل لقوله ﴿ عَلِيمٌ ﴾ على ما مضى من تفسير عليم بأفعالكم مثل أن الله يأمرنا أن لا نتقدم رمضان بيوم أو يومين فيقول:أنا أقدم يوماً احتياطاً لهذه العبادة.

ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴿2﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ : نلاحظ أن النداء قد تكرر مرة أخرى وفي ذلك تنبيه لأهل الإيمان أن ينتبهوا لما بعد النداء .

قد يقول قائل:ـ
لمـاذا لم تعطـف الآيـة الأولى على الآيـة الثانية بدون نداء آخــر؟ ج/ هذا تأكيد لما سيأتي بعد هذا النداء وإشادة به وإشارة إلى أهميته حتى تنتبهوا لما بعد النداء ، فكما أنكم انتبهتم إلى النداء الأول فانتبهوا إلى النداء الثاني .


ســبــب نــزول هذه الآيـــة :ـ
حدثت قصة لثابت بن قيس بن شمَّاس ـ رضي الله عنه ـ وكان جهوري الصوت و كان يتحدث بين يدي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى سمي خطيب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما نزلت هذه الآية دخل بيته وأغلق بابه وانقطع عن الناس فافتقده الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأرسل من يبحث عنه فلما جاءه الرسول الذي بعثه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسأله عن سبب اختفائه قال ثابت: إن الله أنزل على نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴿2﴾ وأنا صوتي فوق صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخشى أن يحبط عملي فلما رجع الرسول إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبره بسبب غيابه قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرجع إليه فقل له: { لست منهم بل تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة } فبشره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك ، وثابت بن قيس هو الذي نفذت وصيته بعد موته ولا بأس من ذكر ذلك للفائدة يقول القرطبي ـ رحمه الله ـ عند تفسيره لهذه الآية الكريمة : لما كان يوم اليمامة خرج ثابت ـ رضي الله عنه ـ مع خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ إلى مسيلمة الكذاب فالتقوا فانكشفوا فقال ثابت ـ رضي الله عنه ـ وسالم مولى أبي حذيفة ـ رضي الله عنه ـ : ما هكذا كنا نقاتل على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم حـفر كل واحد منهما له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلى وعلى ثابت ـ رضي الله عنه ـ درع نفيسة فمرّ به رجل من المسلمين ورآه مقتولاً فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم إذ جاءه ثابت ـ رضي الله عنه ـ في المنام وقال : أوصيك بوصية وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت أمس جاء رجل من المسلمين وأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرس وقد كفأ على الدرع برمة فأت خالد بن الوليد فأمره أن يبعث لدرعي حتى يأخذها وإذا قدمت إلى المدينة على خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقل إن عليّ من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق وفلان ، فلما أفاق الرجل ذهب لخالد فأمر خالد بالدرع فأتي بها وحدّث أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ برؤياه فأجاز وصيته وقال : لا نعلم أحد أجيزت وصيته بعد موته إلا ثابت . ونستفيد من القصتان سرعة استجابة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لأوامر الله جل وعلا فثابت لم يأخذ يلتمس لنفسه الأعذار بل انكفأ في بيته خوفاً من أن يحبط عمله ، ونستفيد أيضاً عناية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالصحابة فهو لما فقده أرسل من يبحث عنه فنأخذ من ذلك أن على الإنسان تفقد أصحابه وإخوانه.



وقد ذكرنا في سبب نزول الآية الأولى في قصة أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ رفع الصوت فلما نزلت هذه الآية كان عمر ـ رضي الله عنه ـ لا يسمِّع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى يستفهمه يعني يقول له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ماذا تقول لشدة خفض صوته ـ رضي الله عنه ـ .

تفسير الآيـــة:-
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ يعني لا تجعلوا أصواتكم عالية على صوت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل يجب أن يكون صوته هو العالي عليكم والظاهر بينكم لأن ذلك تأدب مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك يشمل أيضاً ما بعد وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند قبره وعند سماع أوامره ولذلك قال ابن العربي : حُرمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حياً كحرمته ميتاً وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه إذا قرِئ كلامه وجب على كل حاضر ألاّ يرفع صوته عليه ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به، فقد نبه سبحانه على دوام الحرمة المذكورة لقوله تعالى : ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿204﴾ وكلامه من الوحي وله من الحكمة مثل ما للقرآن إلا معاني مستثناه بيانها في كتب الفقه.
وزاد بعض العلماء وقال بكراهة رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفاً لهم إذ هم ورثة الأنبياء .

و قال تعالى : ﴿ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ﴾
لها معنيان:
المعنى الأول : أي لا تخاطبوه كما يخاطب بعضكم بعضاً يا فلان يا فلان ولكن قولوا يا نبي الله يا رسول الله أي الشيء الذي يختص به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تقولوا يا محمد أو أحمد ولكن يا رسول الله أو نبي الله .
المعنى الثاني: لا يكون نداؤكم له بالنسبة لرفع الصوت كجهر بعضكم لبعض حتى لو قلت يا رسول الله فلا تصرخ كما تصرخ لفلان من الناس بل تقول يا رسول الله بأدب , وكلا المعنيان صحيحان .

قال تعالى: ﴿ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ﴾
أي كراهة أن يكون هذا الجهر سببا لحبوط أعمالكم ولكن كيف تحبط أعمالنا؟


قال تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴾
أي لا تشعرون أن هذا الأمر محبط لأعمالكم لأن الإنسان قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن سبحانه وتعالى فقد يرفع أحداً صوته فوق صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو يجهر له بالقول كجهره للناس الآخرين ثم يدب في قلبه شيء من الاستهانة برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيكون ذلك سبباً في حبوط أعماله وهو لا يشعر .
وذكر بعض أهل العلم أنه إذا جهر الإنسان على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقول وهو لا يقصد الاستهانة كان ذلك مدعاة لأهل النفاق أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ , وقال القرطبي ـ رحمـه الله ـ : إن فـي ذلك مدعاة لأن يرفع ضعـفة المسلمين أصواتهم فوق صوت الـنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

من فوائد الآية:ـ
1) النهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
2) النهي عن الجهر له عليه الصلاة والسلام .
3) الحذر من محبطات الأعمال .
4) أن الإنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر كما في الحديث أن الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً.

ثم قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿3﴾
هذه الآية الكريمة لها تعلق بالآية السابقة لمّا أمر الله سبحانه وتعالى بعدم رفع الصوت فوق صوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعدم الجهر له بالقول كجهر بعضنا لبعض امتثل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ لهذا الأمر وأذعنوا له كما ورد في الآية السابقة عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ .

تفسير الآيـــة:-
قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾
يغضون أصواتهم: أي يخفضونها عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
هؤلاء الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما جزاؤهم؟



قال تعالى : ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾
أولئك : إشارة للبعيد،وهي تعظيم لهؤلاء الذين امتثلوا أمر الله سبحانه وتعالى.
امتحن : أي جعلها خالصة لهذه التقوى التي أمر بها سبحانه وتعالى .
وقال بعض أهل العلم : معنى امتحنها للتقوى أي : اختصها للتقوى ، وابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول : أي طهرهم من كل قبيح وجعل في قلوبهم الخوف من الله سبحانه وتعالى ، والمعاني متقاربة .

قال تعالى: ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾
مغفرة: من الله سبحانه وتعالى لذنوبهم .
أجر عظيم : على أعمالهم .
وتأمل في هذه الآية الكريمة كيف جمع الله لهم المغفرة والأجر العظيم لأن الإنسان محتاج لمغفرة ذنوبه وإلى رفعة درجاته.
وهذه المغفرة والأجر لامتثالهم أمر الله وأدبهم مع نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ

من فوائد الآية:ـ
1) الثناء على من غض صوته عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
2) الإشارة إلى اصلاح القلوب لقوله سبحانه: ﴿ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ ما قال
امتحن أبدانهم فدل على أن الأمر عائد إلى القلب.
3) عظيم فضل الله وثوابه حيث غفر لهم وأعدّ لهم أجراً عظيماً.
4) الحث على التأدب في الكلام .

ثم قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴿4﴾
هذه الآية الكريمة فيها الأدب الثالث لأن الأدب الأول هو النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله والأدب الثاني ما يتعلق بالصوت والتأدب بإخفاضه عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أما الأدب الثالث فهو أدب النداء.

ســبــب نــزول هذه الآيـــة :ـ
هذه الآية الكريمة نزلت في وفد من بني تميم قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في إحدى حجراته ( أي في مكان راحته) فجعلوا ينادونه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو في حجراته يا محمد اخرج إلينا فإن مدحنا زين وذمنا شين ، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ :ـ وكانوا قريباً من سبعيـن رجـلاً وكان رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلـم ـ نائـم للقائلة ،


وهؤلاء أعراب جفاة فأخذوا ينادون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باسمه يا محمد... يا محمد... فأنزل سبحانه وتعالى قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴿4﴾

تفسير الآيـــة:-
قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾
ينادونك : يا محمد... يا محمد...
من وراء الحجرات : هي بيوت زوجاته عليه الصلاة والسلام.
أكثرهم لايعقلون : هذا تأديب من الله لعباده حيث أنه لم يحكم عليهم جميعاً بعدم العقل بل قال : ﴿ أَكْثَرُهُمْ ﴾ وفي هذا تهذيب للإنسان أن يكون منصفاً في قوله لأنهم ليسوا جميعاً كانوا ينادون من وراء الحجرات بل طائفة منهم وهم أكثرهم فقال تعالى عنهم : ﴿ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ لأنه لو كان عندهم عقل ما فعلوا هذا الذي فعلوه .
فنستفيد أن يكون الإنسان منصفاً، بعض الناس يقول هذا المجتمع فاسد نقول:لا لابد من الإنصاف تقول أكثرهم.. أقلهم.. ونحو ذلك من العبارات التي تدل على دقة كلامك ، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ ما هو العـقل الذي نفاه الله عنهم هاهنا؟
هو: عقل الرشد لأن العقل ينقسم إلى قسمين:ـ
1) عقل رشد.
2) عقل تكليف.
فعقل التكليف هو الذي تتعلق به الأحكام ولو كان هو المقصود هنا لما كان عليهم من حرج فالعقل المنفي هنا هو عقل الرشد لا عقل التكليف.

من فوائد الآية:ـ
1) ذم من لا يتأدب لقوله تعالى : ﴿ لا يَعْقِلُونَ ﴾.
2) الإشادة بفضل العقل وبيان أثره لأنه سبحانه لما ترك الذين يعقلون ولم يذمهم دل على فضل العقل .
3) الإنصاف في المقال لأن الله سبحانه قال : ﴿ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ ولم يقل كلهم.
4) مراعاة خصوصيات الإنسان.
5) أنه لا حرج على من ولاه الله أمرا ًمن أمور المسلمين أن يحتجب في وقت مخصوص لحاجته.

ثم قال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿5﴾

تفسير الآيـــة:-
لو أن هؤلاء النفر انتظروا حتى يحين موعد خروجه ـ عليه الصلاة والسلام ـ
لكان خيراً... ولكن خيراً لهم في أي شيء ؟
1) خيراً لهم في التأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
2) خيراً لهم في ادارك حاجتهم ، لأن الإنسان إذا رأى طالب الحاجة يأتي بالأسلوب الحسن ويتأدب لاشك أن ذلك أبلغ لمساعدته على حاجته.
وقيل أنهم قدموا لفكاك بعض الأسرى .
قد يقول قائل:
كيف يحتجب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المبعوث إليهم ؟
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الأدب .
قال سبحانه : ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ختم الله هذه الآية الكريمة ببيان أنه غفور رحيم ويستفاد منها أن الله غفر لهم ورحمهم وقد سبق الكلام في فائدة ختام الآيات وأن فيها مناسبة للآية التي جاءت فيها الأسماء أو الصفات واستنبط العلماء ـ رحمهم الله ـ فائدة ختام الآية بقوله : ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ أن الله قد غفر لهم ورحمهم ، ولذلك الكثير منَّا يعرف القصة المشهورة في الرجل الذي كان يقرأ قوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ﴾ ثم قال: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وكان بجانبه أعرابي لا يعرف القرآن فقال : أعد الآية ، فقرأها : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ ﴾ ثم قال: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ فقال : أعد ، فأعادها الثالثة فقال الأعرابي : كلام من هذا ؟
قال : كلام الله ، قال الأعرابي : ليس هكذا ، فانتبه القاريء وأعاد مرة أخرى وقرأ قوله تعالى : ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴿38﴾ قال الأعرابي :الآن ، يعني هذا كلام الله , لأنه عز فحكم فقطع أما الأول غفر و رحِم فكيف يقطع فاستفاد الأعرابي وهو لا يحفظ القرآن بختام الآية أن هناك خطأ من القارئ وأما الآية التي معنا فختمها سبحانه بقوله : ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ استنبـط العلماء أن هناك إشـارة إلى أن الله قد غفـر لهـم ورحمهـم ؛


لأنهم أعراب جفاة لا يعرفون الأدب مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليسوا كأصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين جلسوا بين يديه وتعلموا منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ .

من فوائد الآية:ـ
1) الحث على الصبر وعدم الاستعجال .
2) أن الصابر يدرك حاجته بإذن الله.
3) كرم الله لهؤلاء حيث أنه غفر لهم ورحمهم.
4) إثبات اسمين من أسماء الله وهما الغفور والرحيم وما تضمناه من الصفة.

ثم قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴿6﴾
نلاحظ أن هذا هو النداء الثالث من الله لأهل الإيمان في هذه السورة الكريمة ونلاحظ أن هذه النداءات متعلقة بالآداب حتى إن بعض أهل العلم وصفها بسورة الآداب.

ســبــب نــزول هذه الآيـــة :ـ
يكاد العلماء ـ رحمهم الله ـ أن يتفقوا على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل الوليد بن عتبة إلى بني المصطلق ليأخذ منهم زكاتهم وواعدهم عليه الصلاة والسلام أن يرسل إليهم رجلاً ليأخذ الزكاة منهم ، فلما حان الوقت أرسل إليهم الوليد بن عتبة فلما رأوه أقبلوا إليه جميعاً فرحاً برسول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخاف ـ رضي الله عنه ـ منهم ، وسبب الخوف قيل أن بينه وبينهم إحنة فخاف منهم فرجع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبره أنهم ارتدوا عن الإسلام وفي رواية أنه لما رآهم مسرعين إليه ظن أنهم يريدون قتله ، فلما قص الخبر على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسل إليهم خالد بن الوليد و أمره ـ عليه الصلاة والسلام ـ ألاّ يتسرع و أن يتثبت من الخبر فأتاهم ليلاً وبعث عيونه ( يعني أرسل أناس يدخلون بينهم ) فلما أتوهم وجدوهم متمسكين بالإسلام وسمعوا الأذان ورأو الصلاة فأتو إلى خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ فأخبروه فعاد إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره الخبر فنزلت هذه الآية الكريمة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴿6﴾ وذكر بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ رواية مفصلة أكثر من هذا فقالوا: لمّا رجع الوليد خافوا وقالوا ما رجع إلاّ لأمر ونخشى أن يكون قد أنزل فينا قرآنا


فخرجوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالوا له : سمعنا برسولك فخرجنا إليه لنكرمه ونؤدِّي إليه الزكاة فعاد راجعاً وسمعنا أنه يزعم أننا خرجنا لقتاله ووالله ما خرجنا لقتاله .

تفسير الآيـــة:-
نادى الله تعالى أهل الإيمان بوصف إيمانهم فقال عز وجلَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ وقد سبق معنا أهمية النداء وقول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ في الآية الأولى .

قال تعالى : ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ﴾ الفسق: مأخوذ من فسقت النواة من التمرة إذا خرجت هذا في لغة العرب فسمِّيَ الخارج عن طاعة الله فاسقاً , والخروج عن طاعة الله أنواع فمنها كبائر ومنها صغائر ومنها صغائر يصر عليها ومنها صغائر لا يصر عليها والكلام في هذا يطول .
ثم قال سبحانه : ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ﴾ النبأ : هو الخبر, فإذا جاءنا فاسق بنبأ ماذا نفعل؟
قال سبحانه: ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ بين الله وجوب التبيُّن من الأخبار حال ورودها من الفاسق وذلك لأن الأحوال إما قبول الخبر, أو رد الخبر, أو التثبت فيه ، هذه هي الأحوال الثلاثة بالنسبة للإنسان إذا جاءته أخبار , هذا تأديب من الله لعباده إذا جاءهم خبر من الفاسق بأن لا يتسرعوا ولكن يتسرعوا في ماذا ؟ يتبادر إلى ذهن كثير من الناس أن لا يتسرعوا في قبوله , نقول ليس هذا فقط بل لا يتسرعوا في قبوله ولا في رده أيضاً يعني لا تصدق ولا تكذب لأنك إن صدقت فقد يكون الخبر كاذباً وإن رددت فقد يكون الخبر صادقاً , فانظر إلى تأديب الله لعباده . وفي قراءة أخرى: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثَبَّتوا﴾ والمعنى واحد أي تثبتوا من الخبر . ولكن لماذا نتثبت في خبره قال سبحانه : ﴿ أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴿6﴾ أي أمرناكم أن تتثبتوا في خبر الفاسق حتى لا تصيبوا قوماً وأنتم تجهلون أحوالهم فيقع ما يقع نتيجة هذا التسرع فتصبحوا في حسرة وندامة على تعجلكم في هذا الأمر.
فحينئذ هذا الأدب لابد أن يلتزم به الإنسان وألاّ يتسرع في قبول الأخبار , وإذا نظرنا إلى أحوال الناس اليوم وجدنا الكثير منهم يطير بالخبر من أي إنسان فتراه يقول فيه كذا وكذا فيأخذ الخبر على محمل الجد وعلى أنه صدق ثم يزداد الأمر سوءاً إذا قـام الإنسان بنشر خبـر الفاسـق , فقد تندم إذا عملت بخبـر الفاسـق قبـل


التبين ثم تبيَّن لك أنه خبر كاذب ، أو تندم إذا كذبت الخبر ثم تبين لك أنه صادق .
وهذا الندم من وجوه :ـ
1) ندامة على تصديق الخبر الكاذب.
2) ندامة على تكذيب الخبر الصادق.
3) ندامة لسوء الظن بالمسلم الذي صدقت فيه ما لم يكن صحيحاً.
4) ندامة فيما سعى به الإنسان من نشر هذا الخبر الفاسد بين الناس.

ولو أن الناس عملوا بمقتضى هذه الآية لحصل بذلك مصالح منها : وقف هؤلاء الفسّاق لأن الفاسق إذا علم أن الناس سيتبيّنون من الخبر أقلع عن الكذب .

من فوائد الآية:ـ
1) وجوب التثبت في خبر الفاسق .
2) ذم الفاسق لأنه لم يقبل خبره إلا بعد التثبت .
3) التحذير من الفسق .
4) أن خبر الفاسق لا يرد ولا يقبل.
5) ذم التعجل قبل التثبت .
6) أن المتعجل في قبول الخبر قد يفعل الشيء مع الجهالة.
7) أن المعتمد على خبر الفاسق إذا قبله وتعجل أو رد وتعجل ولم يتبين سوف يندم.

ثم قال سبحانه : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴿7﴾

تفسير الآيـــة:-
هذا الخطاب من الله جل وعلا موجه إلى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فيقول الله تبارك وتعالى : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ هذا إخبار من الله لهم بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أظهرهم ، وهذا أمر يشاهدونه ومعروف لديهم فما فائدة مثل هذا؟
ج / الفائدة تعظيم هذا النبي الذي بين أيديكم وامتثال أمره كما يقال: هذا كتاب الله بين يديك أنت لا تريد إخباره أنه بين يديه لأنه يعلم به ويحس به ويشاهده ولكنك تحثه على العمل به وتقديره والعناية به .


فهذا خطاب من الله للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بأن يفعلوا ما يأمرهم به وأن يوقروه ويتأدبوا معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ثم قال سبحانه : ﴿ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ﴾ ولكن ماهو الأمر الذي يطيعكم فيه قال أهل العلم : لو أطاعهم ـ عليه السلام ـ في عقاب هؤلاء القوم الذين منعوا الزكاة لأنه لما جاء الرسول إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبره أنهم ارتدوا عن دينهم قال بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ نقاتلهم يا رسول الله فقال الله عز وجل : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ أي : أطيعوا أمره وصدقوه واعلموا أنه لو أطاعكم في كثير من الأمر لعنتم: أي لشق عليكم ذلك الأمر .
ومنه أنه لو خرج ـ عليه الصلاة والسلام ـ لقتال أولئك القوم لحصل عليكم مشقة في الخروج وندم على قتال من ليس أهلاً للقتال. ومثـَّل العلماء بعض الأمثلة منها: الوصال كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم اليوم واليومين ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قد طلبوا منه أن يواصل بهم فواصل بهم ليلة أو ليلتين فرُئي الهلال فقال : لو لم يُرى لواصلت بكم كالمنكل بهم ومثلوا له بقيام الليل وذلك أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قام بهم ذات ليلة فقالوا : لو نفلت بنا سائر الليل حتى يطلع الفجر فقال لهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة تامة } فلو أطاعهم في هذا الأمر لحصل تعب ومشقة عليهم فتنطبق الآية على الأمثلة .

قال تعالى : ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ أي أنكم يأهل الإيمان تطيعون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أنه يخالفكم فيما طلبتم وذلك بسبب محبتكم للإيمان، طلبتم منه أن يقوم بكم الليلة كاملة فلم يفعل فرضيتم وسلمتم سبب ذلك لأن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم فيقول أهل العلم في قوله عز وجل : ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ ﴾ إشارة إلى فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أي أنه هو الذي جعل الإيمان محبباً إلى قلوبهم وهذا ظاهر فإن الناس منهم من قذف الله محبة الإيمان في قلبه فتراه مسارعاً للخيرات محباً لها ومن الناس من يفعلها بثقل وتبرم . فإذا حصل للإنسان ذلك فليشكر الله على ذلك .

قال سبحانه : ﴿ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ جعل له زينة في قلوبكم أي حسَنه إليكم حتى اخترتموه على غيره ثم ذكر سبحانه منقبة أخرى فقال تعالى ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾.


الكفــر : ما يقابل الإيمــان . فهناك مؤمن وكافـر .
الفسـوق : ما يقابل الاستقامة . فهناك عدلٌ وفاســق .
العصيان : ما يقابل الإذعـان . فهناك مذعن وعاص .
هذه ثلاث درجات أشار إليها سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة .

قال سبحانه : ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ .
الرشد : الاستقامة على الحق فالمستقيم على الحق يسمى راشداً.
والاستقامة على الحق ما تضمنته الآية العظيمة من سورة الفاتحة: ﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾ فالراشد هو المستقيم على الحق, والحق كل ما جاء في الكتاب أو سنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول سبحانه : ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ هؤلاء الذين أطاعوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان هم الراشدون . هذه الأوصاف يتتبعها الإنسان وصفاً وصفاً حتى يحصل له الاستقامة والرشد على طريق الحق .

من فوائد الآية:ـ
1) رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمته .
2) منة الله سبحانه وتعالى على عباده بتحبيب الإيمان إليهم وتزييِِنه في قلوبهم.
3) منة الله تعالى على عباده بأن قذف في قلوبهم كره الكفر الفسوق والعصيان.
4) الحث على تجنب الكفر والفسوق والعصيان .
5) الحرص على اصلاح القلوب.
6) الإشادة بأهل الرشد .
7) الحث على الاستقامة والرشد .

في الآيات السابقة هل هؤلاء استحقوا ما استحقوا من الرشد بحسبهم أو نسبهم أو لبلدهم أو لجنسياتهم؟ الجواب لا هذا ولا هذا وإنما كما قال سبحانه في هذه الآية .






قال تعالى : ﴿ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿8﴾

تفسير الآيـــة:-
أي أن هذا حصل لهم من باب فضل الله عليهم ونعمته فهو المتفضل عليهم سبحانه وتعالى بهذا الأمر , وفي هذه الآية الكريمة تنبيه للإنسان بأن يعرف فضل الله عليه ونعمته لا سيََما نعمة الهداية , من الذي هداك ؟ هو الله , من الذي حبب إليك الحق ؟ من الذي جعل في قلبك من حين تسمع النداء تبادر إلى الصلاة ؟ هو الله سبحانه , من الذي جعلك إذا أقبل رمضان تستبشر وتفرح وغيرك من بعض الناس يحس بثقل وتعب كأنه يستقبل ضيفاً ثقيلاً ؟ من الذي جعل فيك هذا وهذا ؟ هو الله عز وجل .
فلذلك نبه الله على عباده أن ذلك محض فضل منه ونعمة وحينئذ فيه تنبيه آخر بوجوب شكر نعمة الله على الهداية وألا يغتر الإنسان بنفسه لأن بعض الناس إذا رأى من نفسه استقامة على دين الله أو خدمة لدين الله أصبح عنده عجب أو شيء من الخيلاء وأنه يرى أن له فضلاً على دين الله أو على عباده ! لا . الفضل لله سبحانه وتعالى عليك , الفضل لله أن جعلك داعياً أو جعلك طالب علم الفضل لله في ذلك فإذا أردت معرفة فضل الله تعالى عليك بأن جعلك طالب علم فانظر إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:{ من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة} إذاً الله هو الذي تفضل عليك وجعلك في هذا الطريق الذي يوصلك إلى الجنة فما أعظم فضل الله علينا .

قال عز وجل : ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ قلنا فيما سبق أن للعلماء ـ رحمهم الله ـ في تفسير الأسماء والصفات طريقة لذلك قال القرطبي ـ رحمه الله ـ :ـ
عليم: بما يصلحكم.
حكيم: في تدبيركم.
ومن علماء التفسير من يقول :
عليمٌ : بمن يستحق هذه النعمة .
حكيمٌ : في وضعها فيمن يستحقها .
لأن الحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه اللائق به .

من فوائد الآية:ـ
1) أن ما يحصل للعبد من النعم الدينية والدنيوية هو محض فضلٍ من الله .
2) التنبيه على شكر النعمة.


3) إبعاد العجب عن الإنسان.
4) إثبات اسمين من أسماء الله وهما العليم والحكيم وما دلا عليه من وصف.

ثم قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ ال
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى