amr mamdoh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول
amr tv 2
أختر لغة المنتدى من هنا

اذهب الى الأسفل
عمرو ممدوح
عمرو ممدوح
Admin
عدد المساهمات : 175
نقاط : 534
تاريخ التسجيل : 04/05/2009
العمر : 34
الموقع : amrtv.co.cc

صفحتى
1: amr.co.cc
http://amrtv.yours.tv

سورة النازعات  Empty سورة النازعات

الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 9:16 am
النازعات


{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{وَالنَّـزِعَـتِ غَرْقاً * وَالنَّـشِطَـتِ نَشْطاً * وَالسَّـبِحَـتِ سَبْحاً * فَالسَّـبِقَـتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَـرُهَا خَـشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَـفِرَةِ * أَءِذَا كُنَّا عِظَـماً نَّخِرَةً * قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ}.
البسملة تقدم الكلام عليها.
{والنازعات غرقا} يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار تنزعها {غرقا} أي نزعاً بشدة. {والناشطات نشطا} يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين، تنشطها نشطاً: أي تسلها برفق كالأنشوطة، والأنشوطة: الربط الذي يسمونه عندنا (التكة) أو ما أشبه ذلك من الكلمات، يعني يكون ربطاً بحيث إذا سللت أحد الطرفين انفكت العقدة هذا ينحل بسرعة وبسهولة، فهؤلاء الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين تنشطها نشطاً أي: تسلها برفق، وسبب ذلك أن الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار إذا دعت الروح إلى الخروج تناديها بأقبح الأوصاف تقول الملائكة لروح الكافر: اخرجي أيتها النفس الخبيثة التي كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى غضب الله، فتنفر الروح لا تريد أن تخرج إلى هذا، وتتفرق في الجسد حتى يقبضوها بشدة، وينزعوها نزعاً يكاد يتمزق الجسد منها من شدة النزع. أما أرواح المؤمنين ـ جعلني الله وإياكم منهم ـ فإن الملائكة إذا نزلت لقبضها تبشرها: أخرجي يا أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب أخرجي إلى رضوان الله، وما أشبه هذا من الكلام الذي يهون عليها أن تفارق جسدها الذي ألفته فتخرج بسهولة، ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه». قالت عائشة: يا رسول الله: إنَّا لنكره الموت، فقال: «ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه»، لأنه في تلك اللحظة يرى أنه سينتقل إلى دار أحسن من الدار التي فارقها فيفرح كما يفرح أحدنا إذا قيل له أخرج من بيت الطين إلى بيت المسلح القصر المشيد الطيب، فيفرح فيحب لقاء الله، والكافر ـ والعياذ بالله ـ بالعكس إذا بشر بالغضب والعذاب فإنه يكره أن يموت، يكره لقاء الله فيكره الله لقاءه. {والسابحات سبحا} هي الملائكة تسبح بأمر الله، أي تسرع فيه كما يسرع السابح في الماء، وكما قال تعالى عن الشمس والقمر والليل والنهار {كل في فلك يسبحون} فالمعنى أنها تسبح بأمر الله عز وجل على حسب ما أراد الله سبحانه وتعالى، وهم أي الملائكة أقوى من الجن، والجن أقوى من البشر، انظر إلى قوله تعالى عن سليمان: {يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين. قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} [النمل: 38 ـ 40]. يعني إذا مددت طرفك ثم رجعته فقبل أن يرجع إليك آتيك به {فلما رآه مستقرّاً عنده} في الحال رآه {قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءَأَشكر أم أكفر} قال العلماء: إنه حملته الملائكة حتى جاءت به إلى سليمان من اليمن، وسليمان بالشام بلحظة فدل هذا على أن قوة الملائكة أكبر بكثير من قوة الجن، وقوة الجن أكبر من بني آدم؛ لأنه لا يستطيع أحد من بني آدم أن يأتي بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام قبل مدة طويلة، فالحاصل أن الملائكة تسبح بأمر الله عز وجل بما يأمرها به. {فالسابقات سبقاً} أيضاً هي الملائكة تسبق إلى أمر الله عز وجل، ولهذا كانت الملائكة أسبق إلى أمر الله وأقوم بأمر الله من بني آدم، قال الله تعالى في وصف ملائكة النار: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. [التحريم: 6]. وقال عز وجل: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 19، 20]. فهم سباقون إلى أمر الله عز وجل بما يأمرهم لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لقوتهم وقدرتهم على فعل أوامر الله عز وجل. {فالمدبرات أمراً} أيضاً وصف للملائكة تدبر الأمر، وهو واحد الأمور يعني أمور الله عز وجل لها ملائكة تدبرها، فجبرائيل موكل بالوحي يتلقاه من الله وينزل به على الرسل، وإسرافيل موكل بنفخ الصور الذي يكون عند يوم القيامة ينفخ في الصور فيفزع الناس ويموتون، ثم ينفخ فيه أخرى فيبعثون، وهو أيضاً من حملة العرش، وميكائيل موكل بالقطر وبالمطر والنبات، وملك الموت موكل بالأرواح، ومالك موكل بالنار، ورضوان موكل بالجنة، وعن اليمين وعن الشمال قعيد موكل بالأعمال، كلٌّ يدبر ما أمره الله عز وجل به. فهذه الأوصاف كلها أوصاف للملائكة على حسب أعمالهم، وأقسم الله سبحانه وتعالى بالملائكة لأنهم من خير المخلوقات، ولا يقسم الله سبحانه وتعالى بشيء إلا وله شأن عظيم إما في ذاته، وإما لكونه من آيات الله عز وجل. ثم قال تعالى: {يوم ترجف الراجفة. تتبعها الرادفة} هذه {يوم ترجف} متعلقة بمحذوف والتقدير أذكر يا محمد وذكّر الناس بهذا اليوم العظيم: {يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة}، وهما النفختان في الصور، النفخة الأولى ترجف الناس ويفزعون ثم يموتون عن آخرهم إلا من شاءالله، والنفخة الثانية يبعثون من قبورهم فيقوم الناس من قبورهم مرة واحدة، قال الله تعالى: {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} [النازعات:: 13، 14]. إذا رجفت الراجفة وتبعتها الرافدة انقسم الناس إلى قسمين: {قلوب يومئذ واجفة. أبصارها خاشعة. يقولون إنا لمردودون في الحافرة. أإذا كنا عظاماً نخرة قالوا تلك إذاً كرة خاسرة} وهذه قلوب الكفار {واجفة} أي: خائفة خوفاً شديداً. {أبصارها خاشعة} يعني ذليلة لا تكاد تحدق أو تنظر بقوة ولكنه قد غضت أبصارهم ـ والعياذ بالله ـ لذلهم قال الله تعالى: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي}[الشورى: 45]. {فإنما هي زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة} زجرة من الله عز وجل يزجرون ويصاح بهم فيقومون من قبورهم قيام رجل واحد على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها قال الله تبارك وتعالى: {إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون} [يس: 53]. كل الخلق في هذه الكلمة الواحدة يخرجون من قبورهم أحياء، ثم يحضرون إلى الله عز وجل ليجازيهم، ولهذا قال: {فإنما هي زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة} وهذا كقوله تعالى: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} [القمر: 50]. يعني أنَّ الله إذا أراد شيئاً إنما يقول له: (كن) مرة واحدة فقط فيكون ولا يتأخر هذا عن قول الله لحظة {إلا واحدة كلمح بالبصر} والله عز وجل لا يعجزه شيء، فإذا كان الخلق كلهم يقومون من قبورهم لله عز وجل بكلمة واحدة فهذا أدل دليل على أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض كما قال تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة}.
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الاَْيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الاَْعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الاَْخِرَةِ وَالاُْوْلَى * إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى}.
ثم قال تعالى مبيناً ما جرى للأمم قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الله تعالى: {هل أتاك حديث موسى} والخطاب في .........................................قوله: {هل أتاك} للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يتأتى خطابه ويصح توجيه الخطاب إليه، ويكون على المعنى الأول (هل أتاك يا محمد)، وعلى المعنى الثاني: (هل أتاك أيها الإنسان) {حديث موسى} وهو ابن عمران عليه الصلاة والسلام أفضل أنبياء بني إسرائيل، وهو أحد أولي العزم الخمسة الذين هم: محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح عليهم الصلاة والسلام، وقد ذكر هؤلاء الخمسة في القرآن في موضعين، أحدهما في الأحزاب في قوله تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} [الأحزاب: 7]. والثاني في قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} [الشورى: 13]. وحديث موسى عليه الصلاة والسلام ذكر في القرآن أكثر من غيره؛ لأن موسى هو نبي اليهود وهم كثيرون في المدينة وحولها في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت قصص موسى أكثر ما قص علينا من نبأ الأنبياء وأشملها وأوسعها وفي قوله: {هل أتاك حديث موسى} تشويق للسامع ليستمع إلى ما جرى في هذه القصة. {إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى} ناداه الله عز وجل نداءً سمعه بصوت الله عز وجل، قال تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيًّا}[مريم: 52]. وقوله: {بالواد المقدس} هو الطور، والوادي هو مجرى الماء، وسماه الله مقدساً لأنه كان فيه الوحي إلى موسى عليه الصلاة والسلام. وقوله: {طوى} اسم للوادي. {اذهب إلى فرعون إنه طغى} فرعون كان ملك مصر، وكان يقول لقومه إنه ربهم الأعلى، وأنه لا إله غيره {قال يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري} فادعى ما ليس له، وأنكر حق غيره وهو الله عز وجل، وأمر الله نبيه موسى عليه الصلاة والسلام أن يذهب إلى فرعون وهذه هي الرسالة، وبين سبب ذلك وهو طغيان هذا الرجل ـ أعني فرعون ـ وفي سورة طه قال: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى} [طه: 43]. ولا منافاة بين الايتين وذلك أن الله تعالى أرسل موسى أولاً ثم طلب موسى صلى الله عليه وآله وسلم من ربه أن يشد أزره بأخيه هارون فأرسل هارون عليه الصلاة والسلام مع موسى فصار موسى وهارون كلاهما مرسل إلى فرعون. وقوله تعالى: {إنه طغى} أي: زاد على حده؛ لأن الطغيان هو الزيادة، ومنه قوله تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} [الحاقة: 11]. ومنه الطاغوت: لأن فيه مجاوزة الحد. {فقل هل لك إلى أن تزكى} الاستفهام هنا للتشويق، تشويق فرعون أن يتزكى مما هو عليه من الشر والفساد، وأصل الزكاة النمو والزيادة، وتطلق بمعنى الإسلام والتوحيد، ومنه قوله تعالى: {وويل للمشركين. الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم كافرون} [فصلت: 6، 7]. ومنه قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} [الشمس: 9 ـ 10]. {وأهديك إلى ربك} أي أدلك إلى ربك أي إلى دين الله عز وجل الموصل إلى الله. {فتخشى} أي فتخاف الله عز وجل على علم منك؛ لأن الخشية هي الخوف المقرون بالعلم، فإن لم يكن علم فهو خوف مجرد، وهذا هو الفرق بين الخشية والخوف. الفرق بينهما أن الخشية عن علم قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر:: 28]. وأما الخوف فهو خوف مجرد ذعر يحصل للإنسان ولو بلا علم، ولهذا قد يخاف الإنسان من شيء يتوهمه، قد يرى في الليلة الظلماء شبحاً لا حقيقة له فيخاف منه، فهذا ذعر مبني على وهم، لكن الخشية تكون عن علم. أي فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وقال لفرعون ما أمره الله به {هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى} ولما كان البشر لا يؤمنون ولا يقبلون دعوى شخص أنه رسول إلا بآية كما هو ظاهر أن الإنسان لا يقبل من أحد دعوى إلا ببينة جعل الله سبحانه وتعالى مع كل رسول آية تدل على صدقه، وهنا قال: {فأراه الاية الكبرى} يعني أرى موسى فرعون الاية الكبرى، فما هي هذه الاية؟ الاية أن معه عصاً من خشب من فروع الشجر كما هو معروف، فكان إذا وضعها في الأرض صارت حية تسعى ثم يحملها فتعود عصا، وهذا من آيات الله أن شيئاً جماداً إذا وضع على الأرض صار حية تسعى، وإذا حمل من الأرض عاد في الحال فوراً إلى حاله الأولى عصا من جملة العصي، وإنما بعثه عليه الصلاة والسلام بهذه الاية، وبكونه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء أي من غير عيب، أي: بيضاء بياضاً ليس بياض البرص ولكنه بياض جعله الله آية، إنما بعثه الله بالعصا واليد؛ لأنه كان في زمن موسى السحر منتشراً شائعاً فأرسله الله عز وجل بشيء يغلب السحرة الذين تصدوا لموسى عليه الصلاة والسلام. قال أهل العلم: وفي عهد عيسى صلى الله عليه وآله وسلم انتشر الطب انتشاراً عظيماً، فجاء عيسى بأمر يعجز الأطباء، وهو أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برىء، إذا جيء إليه بشخص فيه عاهة أي عاهة تكون مسحه بيده ثم برىء بإذن الله {يبرىء الأكمه والأبرص} مع أن البرص لا دواء له لكن هو يبرىء الأبرص بإذن الله عز وجل، ويبرىء الأكمه الذي خلق بلا عيون، وأشد من هذا وأعظم أنه يحيي الموتى بإذن الله، يؤتى إليه بالميت فيتكلم معه ثم تعود إليه الحياة، وHشد من ذلك وأبلغ أنه يخرج الموتى بإذن الله من قبورهم، يقف على القبر وينادي صاحب القبر فيخرج من القبر حيًّا، هذا شيء لا يمكن لأي طب أن يبلغه، ولهذا كانت آية عيسى في هذا الوقت مناسبة تماماً لما كان عليه الناس. قال أهل العلم: أما رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد أتى إلى العرب وهم يتفاخرون في الفصاحة، ويرون أن الفصاحة أعظم منقبة للإنسان فجاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بهذا القرآن العظيم الذي أعجز أمراء الفصاحة، وعجزوا عن أن يأتوا بمثله، قال الله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} [الإسراء: 88]. يعني لو كان بعضهم يعاون بعضاً فإنهم لن يأتوا بمثله. حينئذ نقول إن موسى عليه الصلاة والسلام أرى فرعون الاية الكبرى ولكن لم ينتفع بالايات {وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [يونس: 101]. {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب} فالذين ليس في قلوبهم استعداد للهداية لا يهتدون ولو جاءتهم كل آية ـ والعياذ بالله ـ ولهذا قال: {فكذب وعصى} كذب الخبر، وعصى الأمر، يعني قال لموسى إنك لست رسولاً بل قال {إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} [الشعراء: 27]. وعصى الأمر فلم يمتثل أمر موسى ولم ينقد لشرعه. {ثم أدبر يسعى} أي تولى مدبراً يسعى حثيثاً. {فحشر فنادى} حشر الناس أي جمعهم ونادى فيهم بصوت مرتفع ليكون ذلك أبلغ في نهيهم عما يريد منهم موسى عليه الصلاة والسلام. {فقال أنا ربكم الأعلى} يعني لا أحد فوقي لأن {الأعلى} اسم تفضيل من العلو، فانظر كيف استكبر هذا الرجل وادعى لنفسه ما ليس له في قوله: {أنا ربكم الأعلى} وكان يفتخر بالأنهار والُملك الواسع يقول لقومه في ما قال لهم {يا قومِ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين} [الزخرف:: 51، 52]. فما الذي حصل؟ أغرقه الله عز وجل بالماء الذي كان يفتخر به، وأورث الله ملك مصر بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم. {فأخذه الله نكال الاخرة والأولى} أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، {نكال الاخرة والأولى} يعني أنه نكّل به في الاخرة وفي الأولى، فكان عبرة في زمنه، وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة، كل من قرأ كتاب الله وما صنع الله بفرعون فإنه يتخذ ذلك عبرة يعتبر به، وكيف أهلكه الله مع هذا الملك العظيم وهذا الجبروت وهذا الطغيان فصار أهون على الله تعالى من كل هين. {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} {إن في ذلك} أي فيما جرى من إرسال موسى إلى فرعون ومحاورته إياه واستهتار فرعون به واستكباره عن الانقياد له عبرة، {لمن يخشى} أي يخشى الله عز وجل، فمن كان عنده خشية من الله وتدبر ما حصل لموسى مع فرعون والنتيجة التي كانت لهذا ولهذا فإنه يعتبر ويأخذ من ذلك عبرة، والعبر في قصة موسى كثيرة ولو أن أحداً انتدب لجمع القصة من الايات في كل سورة ثم يستنتج ما حصل في هذه القصة من العبر لكان جيداً، يعني يأتي بالقصة كلها في كل الايات، لأن السور في بعضها شيء ليس في البعض الاخر، فإذا جمعها وقال مثلاً يؤخذ من هذه القصة العظيمة العبر التالية ثم يسردها، كيف أرسله الله عز وجل إلى فرعون؟ كيف قال لهما {فقولا له قولاً ليناً} [طه: 44]. مع أنه مستكبر خبيث؟ وكيف كانت النتيجة؟ وكيف كان موسى عليه الصلاة والسلام خرج من مصر خائفاً على نفسه يترقب كما خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة يترقب، وصارت العاقبة للرسول عليه الصلاة والسلام ولموسى عليه الصلاة والسلام، لكن العاقبة للرسول صلى الله عليه وسلّم بفعله وأصحابه، عذب الله أعداءهم بأيديهم، وعاقبة موسى بفعل الله عز وجل، فهي عبر يعتبر بها الإنسان يصلح بها نفسه وقلبه حتى يتبين الأمر.
{أَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَـهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَـهَا * وَالاَْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَـهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَـهَا * مَتَـعاً لَّكُمْ وَلاَِنْعَـمِكُمْ}.
{ءأنتم أشد خلقاً أم السماء} هذا الاستفهام لتقرير إمكان البعث؛ لأن المشركين كذبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبعث وقالوا: {من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78]. فيقول الله عز وجل: {ءأنتم أشد خلقاً أم السماء} الجواب معلوم لكل أحد أنه السماء كما قال تعالى: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [غافر: 57]. {بناها} هذه الجملة لا تتعلق بالتي قبلها، ولهذا ينبغي للقارىء إذا قرأ أن يقف على قوله {أم السماء} ثم يستأنف فيقول: {بناها} فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء، {بناها} أي بناها الله عز وجل وقد بين الله سبحانه وتعالى في آية أخرى في سورة الذاريات أنه بناها بقوة فقال: {والسماء بنيناها بأيد} أي بقوة {وإنا لموسعون}. {رفع سمكها فسواها} رفعه يعني عن الأرض ورفعه عز وجل بغير عمد كما قال الله تعالى: {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} [الرعد: 2]. {فسواها} أي جعلها مستوية، وجعلها تامة كاملة كما قال تعالى في خلق الإنسان: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك} [الانفطار: 6، 7]. فسواك: أي جعلك سويًّا تام الخلقة، فالسماء كذلك سواها الله عز وجل. {وأغطش ليلها} أغطشه أي أظلمه، فالليل مظلم، قال الله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} [الإسراء: 12]. {وأخرج ضحاها} بينه بالشمس التي تخرج كل يوم من مطلعها وتغيب من مغربها. {والأرض بعد ذلك} أي بعد خلق السماوات والأرض {دحاها} بين سبحانه هذا الدحو بقوله: {أخرج منها ماءها ومرعاها} وكانت الأرض مخلوقة قبل السماء كما قال الله تعالى: {قل أئِنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سماوات في يومين} [فصلت: 9 ـ 12]. فالأرض مخلوقة من قبل السماء لكن دحوها وإخراج الماء منها والمرعى كان بعد خلق السماوات. {والجبال أرساها} أي جعلها راسية في الأرض تمسك الأرض لئلا تضطرب بالخلق. {متاعاً لكم ولأنعامكم} أي جعل الله تعالى ذلك متاعاً لنا نتمتع به فيما نأكل ونشرب، ولأنعامنا أي مواشينا من الإبل والبقر والغنم وغيرها.
ولما ذكَّر الله عز وجل عباده بهذه النعم الدالة على كمال قدرته ذكرهم بمآلهم الحتمي الذي لابد منه، فقال عز وجل:
{فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَـنُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى * فَأَمَّا مَن طَغَى * وَءاثَرَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى}.
{فإذا جاءت الطامة الكبرى} وذلك قيام الساعة، وسماها طامة لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها. {الكبرى} يعني أكبر من كل طامة. {يوم يتذكر الإنسان ما سعى} لهذا اليوم الذي تكون فيه الطامة الكبرى وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، يتذكره مكتوباً، عنده يقرأه هو بنفسه قال الله تعالى: {ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} [الإسراء: 13، 14]. إذا قرأه تذكر ما سعى أي ما عمل، أما اليوم فإننا قد نسينا ما عملنا، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح، ومنها اللغو، ومنها السيىء، لكن كل هذا ننساه، وفي يوم القيامة يعرض علينا هذا في كتاب ويقال اقرأ كتابك أنت بنفسك {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} [الإسراء: 14]. فحينئذ يتذكر ما سعى {ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً} [النبأ: 40]. {وبُرِّزت الجحيم لمن يرى} {برزت} أظهرت تجيء تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام فيه سبعون ألف ملك يجرونها، إذا ألقي منها الظالمون مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً تأتي ـ والعياذ بالله ـ لمن يرى ويبصر فتنخلع القلوب ويشيب المولود ولهذا قال: {فأما من طغى. وآثر الحياة الدنيا} هذان وصفان هما وصفا أهل النار، الطغيان وهو مجاوزة الحد، وإيثار الدنيا على الاخرة بتقديمها على الاخرة وكونها أكبر هم الإنسان، والطغيان مجاوزة الحد، وحد الإنسان مذكور في قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]. فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا هو الطاغي لأنه تجاوز الحد، أنت مخلوق لا لتأكل وتتنعم وتتمتع كما تتمتع الأنعام، أنت مخلوق لعبادة الله فاعبد الله عز وجل، فإن لم تفعل فقد طغيت هذا هو الطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة الله. {وآثر الحياة الدنيا} هما متلازمان فإن الطاغي عن عبادة الله مؤثر للحياة الدنيا لأنه يتعلل بها عن طاعة الله، ويتلهى بها عن طاعة الله، إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة، إذا قيل له أذكر الله آثر اللغو على ذكر الله وهكذا... {فإن الجحيم هي المأوى} أي هي مأواه، والمأوى هو المرجع والمقر وبئس المقر مقر جهنم ـ أعاذنا الله منها ـ {وأما من خاف مقام ربه} يعني خاف القيام بين يديه؛ لأن الإنسان يوم القيامة سوف يقرره الله عز وجل بذنوبه ويقول عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا كما جاء في الصحيح، فإذا أقر قال الله له: «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»، هذا الذي خاف هذا المقام، {ونهى النفس عن الهوى} أي عن هواها، والنفس أمَّارة بالسوء لا تأمر إلا بالشر. ولكن هناك نفس أخرى تقابلها وهي النفس المطمئنة؛ وللإنسان ثلاث نفوس: مطمئنة، وأمارة، ولوامة، وكلها في القرآن، أما المطمئنة ففي قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي} [الفجر:: 27 ـ 30]. وأما الأمَّارة بالسوء ففي قوله تعالى: {وما أبرىء نفسي إن النفس لأمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي} [يوسف: 53]. وأما اللوامة ففي قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة} [القيامة: 1، 2]. والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس؛ يرى في نفسه أحياناً نزعة خير يحب الخير يفعله هذه هي النفس المطمئنة، يرى أحياناً في نفسه نزعة شر يفعله هذه نفس أمارة بالسوء، تأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل فتجده يندم على ما فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على ما فعل من الخير، فإن من الناس من قد يلوم نفسه على فعل الخير وعلى مصاحبة أهل الخير ويقول: كيف أصاحب هؤلاء الذين صدوني عن حياتي.. عن شهواتي.. عن لهوي، وما أشبه ذلك. فاللوامة نفس تلوم الأمارة بالسوء مرة، وتلوم المطمئنة مرة أخرى، فهي في الحقيقة نفس بين نفسين تلوم النفس الأمارة بالسوء إذا فعلت السوء، وتندم الإنسان، وقد تلوم النفس المطمئنة إذا فعلت الخير. {فإن الجنة هي المأوى} الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 17]. هكذا جاء في القرآن، وجاء في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، هذه الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت، إذا حضر الأجل ودعت الملائكة النفس للخروج قالت: أخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى رضوان الله، وتبشر النفس بالجنة، قال الله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم} [النحل: 32]. يقولونه حين التوفي {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} فيبشر بالجنة فتخرج روحه راضية متيسرة سهلة، ولهذا لما حدث النبي عليه الصلاة والسلام فقال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» قالت عائشة: يا رسول الله: كلنا يكره الموت، قال: ليس الأمر ذلك ـ كلنا يكره الموت بمقتضى الطبيعة ـ ولكن المؤمن إذا بشر بما يبشر به عند الموت أحب لقاء الله أحب الموت وسهل عليه»، وإن الكافر إذا بشر ـ والعياذ بالله ـ بما يسوؤه عند الموت كره لقاء الله وهربت نفسه تفرقت في جسده حتى ينتزعوها منه كما ينتزع السفود من الشعر المبلول، والشعر المبلول إذا جر عليه السفود وهو معروف عند الغزالين يكاد يمزقه من شدة سحبه عليه هكذا روح الكافر والعياذ بالله ـ تتفرق في جسده لأنها تبشر بالعذاب فتخاف، فالجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والإنسان قد يدركها قبل أن يموت بما يبشر به، وقد قال أنس بن النضر ـ رضي الله عنه ـ: «يا رسول الله، والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد»، وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، وجدان حقيقي، قال ابن القيم رحمه الله: (إن بعض الناس قد يدرك الاخرة وهو في الدينا)، ثم انطلق فقاتل وقُتل رضي الله عنه، فالحاصل أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَـهَآ * إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـهَا
{يسألونك عن الساعة إيَّان مرسها} {يسألونك} يعني يسألك الناس كما قال تعالى في آية أخرى: {يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله} [الأحزاب: 63]. سؤال الناس عن الساعة ينقسم إلى قسمين: سؤال استبعاد وإنكار وهذا كفر كما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلّم عن الساعة واستعجلوها، وقد قال الله عن هؤلاء: {يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق}. وسؤال عن الساعة يسأل متى الساعة ليستعد لها وهذا لا بأس به، وقد قال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله متى الساعة؟ قال له: «ماذا أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله. قال: «المرء مع من أحب»، فالناس يسألون النبي عليه الصلاة والسلام ولكن تختلف نياتهم في هذا السؤال، ومهما كانت نياتهم ومهما كانت أسئلتهم فعلم الساعة عند الله ولهذا قال: {فيمَ أنت من ذكراها} يعني أنه لا يمكن أن تذكر لهم الساعة، لأن علمها عند الله كما قال تعالى في آية أخرى: {قل إنما علمها عند الله} [الأحزاب: 63]. وقد سأل جبريل عليه السلام وهو أعلم الملائكة، سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعلم الخلق من البشر قال: أخبرني عن الساعة. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل»، يعني أنت إذا كانت خافية عليك فأنا خافية علي، وإذا كان أعلم الملائكة وأعلم البشر لا يعلمان متى الساعة فما بالك بمن دونهما، وبهذا نعرف أن ما يشيعه بعض الناس من أن الساعة تكون في كذا وفي كذا وفي زمن معين كله كذب، نعلم أنه كذب؛ لأنه لا يعلم متى الساعة إلا الله عز وجل. {إنما أنت منذر من يخشاها} يعني ليس عندك علم منها ولكنك منذر {من يخشاها} أي يخافها وهم المؤمنون، أما من أنكرها واستبعدها وكذبها فإن الإنذار لا ينفع فيه {وما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون} [يونس: 101]. ولهذا نقول أنت لا تسأل متى تموت ولا أين تموت لأن هذا أمر لا يحتاج إلى سؤال أمر مفروغ منه ولابد أن يكون ومهما طالت بك الدنيا فكأنما بقيت يوماً واحداً بل كما قال تعالى هنا: {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} ولكن السؤال الذي يجب أن يرد على النفس ويجب أن يكون لديك جواب عليه هو على أي حال تموت؟! ولست أريد على أي حال تموت هل أنت غني أو فقير، أو قوي أو ضعيف، أو ذو عيال أو عقيم، بل على أي حال تموت في العمل، فإذا كنت تساءل نفسك هذا السؤال فلابد أن تستعد؛ لأنك لا تدري متى يفجَؤُك الموت، كم من إنسان خرج يقود سيارته ورجع به محمولاً على الأكتاف، وكم من إنسان خرج من أهله يقول هيئوا لي طعام الغداء أو العشاء ولكن لم يأكله، وكم من إنسان لبس قيمصه وزر أزرته ولم يفكها إلا الغاسل يغسله، هذا أمر مشاهد بحوادث بغتة. فانظر الان وفكر على أي حال تموت، ولهذا ينبغي لك أن تكثر من الاستغفار ما استطعت، فإن الاستغفار فيه من كل هم فرج، ومن كل ضيق مخرج، حتى إن بعض العلماء يقول إذا استفتاك شخص فاستغفر الله قبل أن تفتيه، لأن الذنوب تحول بين الإنسان وبين الهدى واستنبط ذلك من قول الله تبارك وتعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً. واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً} [النساء: 105، 106]. وهذا استنباط جيد، ويمكن أيضاً أن يستنبط من قوله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} [محمد: 17]. والاستغفار هو الهدى، لذلك أوصيكم بالمراقبة، وكثرة الاستغفار، ومحاسبة النفس حتى نكون على أهبة الاستعداد خشية أن يفجؤُنا الموت ـ نسأل الله أن يحسن لنا الخاتمة ـ. {كأنهم يوم يرونها} أي يرون القيامة {لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} العشية من الزوال إلى غروب الشمس، والضحى من طلوع الشمس إلى زوالها، يعني كأنهم لم يلبثوا إلا نصف يوم، وهذا هو الواقع لو سألنا الان كم مضى من السنوات علينا؟ هل نشعر الان بأنه سنوات أو كأنه يوم واحد؟ لا شك أنه كأنه يوم واحد. والإنسان الان بين ثلاثة أشياء: يوم مضى فهذا قد فاته، ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أو لا يدركه، ووقت حاضر هو المسؤول عنه، وأما ما مضى فقد فات وما فات فقد مات، هلك عنك الذي مضى، والمستقبل لا تدري أتدركه أم لا، والحاضر هو الذي أنت مسؤول عنه. نسأل الله تعالى أن يحسن لنا العاقبة، وأن يجعل عاقبتنا حميدة، وخاتمتنا سعيدة إنه جواد كريم.

تفسير جزء عم عبس محمد بن صالح العثيمين

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَآءَهُ الاَْعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِى سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ}.
البسملة تقدم الكلام عليها.
{عبس وتولى} هذا العابس والمتولي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومعنى {عبس} أي كلح في وجهه يعني استنكر الشيء بوجهه. ومعنى {تولى} أعرض. {أن جاءه الأعمى} الأعمى هو عبدالله بن عمرو ابن أم مكتوم رضي الله عنه، فإنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة وهو في مكة، وكان عنده قوم من عظماء قريش يطمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إسلامهم، ـ ومن المعلوم أن العظماء والأشراف إذا أسلموا كان ذلك سبباً لإسلام من تحتهم وكان طمع النبي صلى الله عليه وسلّم فيهم شديداً ـ فجاء هذا الأعمى يسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذكروا أنه كان يقول: علمني مما علمك الله ويستقرىء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض عنه وعبس في وجهه رجاءً وطمعاً في إسلام هؤلاء العظماء وكأنه خاف أن هؤلاء العظماء يزدرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا وجه وجهه لهذا الرجل الأعمى وأعرض عن هؤلاء العظماء، فكان النبي عليه الصلاة والسلام في عبوسه وتوليه يلاحظ هذين الأمرين. الأمر الأول: الرجاء في إسلام هؤلاء العظماء. والأمر الثاني: ألا يزدروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقر عندهم، ولا شك أن هذا اجتهاد من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس احتقاراً لابن أم مكتوم؛ لأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يهمه إلا أن تنتشر دعوته الحق بين عباد الله، وأن الناس عنده سواء بل من كان أشد إقبالاً على الإسلام فهو أحب إليه. {وما يدريك} أي: أي شيء يريبك أن يتزكى هذا الرجل ويقوي إيمانه. {لعله} أي لعل ابن أم مكتوم {يزكى} أي يتطهر من الذنوب والأخلاق التي لا تليق بأمثاله، فإذا كان هذا هو المرجو منه فإنه أحق أن يلتفت إليه. {أو يذكر فتنفعه الذكرى} يعني وما يدريك لعله يذكر أي يتعظ فتنفعه الموعظة فإنه رضي الله عنه أرجى من هؤلاء أن يتعظ ويتذكر. {أما من استغنى} يعني استغنى بماله لكثرته، واستغنى بجاهه لقوته فهذا {فأنت له تصدى} أي تتعرض وتطلب إقباله عليك وتقبل عليه. {وما عليك ألا يزكى} يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى هذا المستغني؛ لأنه ليس عليك إلا البلاغ، فبيّـن الله سبحانه وتعالى أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أقرب إلى التزكي من هؤلاء العظماء، وأن هؤلاء إذا لم يتزكوا مع إقبال الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم فإنه ليس عليه منهم شيء. {وما عليك ألا يزكى} يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى لأن إثمه عليه وليس عليك إلا البلاغ. ثم قال تعالى: {وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تلهى} هذا مقابل قوله: {أما من استغنى. فأنت له تصدى}. {وأما من جاءك يسعى} أي يستعجل من أجل انتهاز الفرصة إلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم {وهو يخشى} أي يخاف الله عز وجل بقلبه. {فأنت عنه تلهى} أي تتلهى عنه وتتغافل لأنه انشغل برؤساء القوم لعلهم يهتدون. {كلا} يعني لا تفعل مثل هذا ولهذا نقول: إن {كلا} هنا حرف ردع وزجر أي لا تفعل مثل ما فعلت. {إنها تذكرة} {إنها} أي الايات القرآنية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. {تذكرة} تذكر الإنسان بما ينفعه وتحثه عليه، وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ بها القلب. {فمن شاء ذكره} أي فمن شاء ذكر ما نزل من الموعظة فاتعظ، ومن شاء لم يتعظ لقول الله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29]. فالله جعل للإنسان الخيار قدراً بين أن يؤمن ويكفر، أما شرعاً فإنه لا يرضى لعباده الكفر، وليس الإنسان lخير شرعاً بين الكفر والإيمان بل هو مأمور بالإيمان ومفروض عليه الإيمان، لكن من حيث القدر هو مخير وليس كما يزعم بعض الناس مسير مجبر على عمله، بل هذا قول مبتدع ابتدعه الجبرية من الجهمية وغيرهم. {فمن شاء ذكره} أي ذكر ما نزل من الوحي فاتعظ به، ومن شاء لم يذكره، والموفق من وفقه الله عز وجل. {في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة} أي أن هذا الذكر الذي تضمنته هذه الايات {في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة} معظمة عند الله، والصحف جمع صحائف، والصحائف جمع صحيفة وهي ما يكتب فيه القول. {بأيدي سفرة} السفرة الملائكة، وسموا سفرة لأنهم كتبة مأخوذة من السَّفَر أو من السَّفْرِ وهو الكتاب كقوله تعالى: {كمثل الحمار يحمل أسفاراً} [الجمعة: 5]. وقيل: السفرة الوسطاء بين الله وبين خلقه، من السفير وهو الواسطة بين الناس، ومنه حديث أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة قبل أن يحرم قال: «وكنت السفير بينهما» أي الواسطة. المهم أن السفرة هم الملائكة وسموا سفرة لأنهم كتبة يكتبون، وسموا سفرة لأنهم سفراء بين الله وبين الخلق، فجبريل عليه الصلاة والسلام واسطة بين الله وبين الخلق في النزول بالوحي، والكتبة الذين يكتبون ما يعمل الإنسان أيضاً يكتبونه ويبلغونه إلى الله عز وجل، والله تعالى عالم به حين كتابته وقبل كتابته. {كرام بررة} كرام في أخلاقهم.. كرام في خلقتهم لأنهم على أحسن خلقة، وعلى أحسن خُلق، ولهذا وصف الله الملائكة بأنهم كرام كاتبين يعلمون ما تفعلون، وأنهم عليهم الصلاة والسلام لا يستكبرون عن عبادة الله ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وهذه الايات فيها تأديب من الله عز وجل للخلق ألا يكون همهم هًّما شخصيًّا بل يكون همهم هًّما معنويًّا وألا يفضلوا في الدعوة إلى الله شريفاً لشرفه، ولا عظيماً لعظمته، ولا قريباً لقربه، بل يكون الناس عندهم سواء في الدعوة إلى الله الفقير والغني، الكبير والصغير، القريب والبعيد، وفيها أيضاً تلطف الله عز وجل بمخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال في أولها: {عبس وتولى. أن جاءه الأعمى} ثلاث جمل لم يخاطب الله فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها عتاب فلو وجهت إلى الرسول بالخطاب لكان فيه ما فيه لكن جاءت بالغيبة {عبس} فجعل الحكم للغائب كراهية أن يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكلمات الغليظة الشديدة، ولأجل ألا يقع بمثل ذلك من يقع من هذه الأمة، والله سبحانه وتعالى وصف كتابه العزيز بأنه بلسان عربي مبين، وهذا من بيانه، وفي الايات أيضاً دليل على جواز لقب الإنسان بوصفه مثل الأعمى والأعرج والأعمش، وقد كان العلماء يفعلون هذا، الأعرج عن أبي هريرة، الأعمش عن ابن مسعود... وهكذا، قال أهل العلم واللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فلا بأس به، وأما إذا كان المقصود به تعيير الشخص فإنه حرام؛ لأن الأول ـ إذا كان المقصود به تبيين الشخص ـ تدعو الحاجة إليه، والثانية ـ إذا كان المقصود به التعيير ـ فإنه لا يقصد به التبيين وإنما يقصد به الشماتة وقد جاء في الأثر «لا تظهر الشماتة في أخيك فيرحمه الله ويبتليك».
{قُتِلَ الإِنسَـنُ مَآ أَكْفَرَهُ * مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الإِنسَـنُ إِلَى طَعَامِهِ * ط{أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الاَْرْضَ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ غُلْباً * وَفَـكِهَةً وَأَبّاً * مَّتَـعاً لَّكُمْ وَلاَِنْعَـمِكُمْ}.
{قتل الإنسان} {قتل} تأتي في القرآن كثيراً فمن العلماء من يقول: إن معناها لعن، والذي يظهر أن معناها أُهلك؛ لأن القتل يكون به الهلاك وهو أسلوب تستعمله العرب في تقبيح ما كان عليه صاحبه فيقولون مثلاً: قتل فلان ما أسوأ خلقه، قتل فلان ما أخبثه وما أشبه ذلك. وقوله تعالى: {قتل الإنسان} قال بعض العلماء: المراد بالإنسان هنا الكافر خاصة، وليس كل إنسان لقوله فيما بعد {ما أكفره} ويحتمل أن يكون المراد بالإنسان الجنس، لأن أكثر بني آدم كفار كما ثبت في الحديث الصحيح: أن الله يقول يقوم القيامة: «يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول له الله عز وجل: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار. فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين»، فيكون المراد بالإنسان هنا الجنس ويخرج المؤمن من ذلك بما دلت عليه النصوص الأخرى. {ما أكفره} قال بعض العلماء إن {ما} هنا استفهامية أي: أي شيء أكفره؟ ما الذي حمله على الكفر؟ وقال بعض العلماء: إن هذا من باب التعجب يعني ما أعظم كفره! وإنما كان كفر الإنسان عظيماً لأن الله أعطاه عقلاً، وأرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب وأمده بكل ما يحتاج إلى التصديق، ومع ذلك كفر فيكون كفره عظيماً. والفرق بين القولين أنه على القول الأول تكون {ما} استفهامية أي: ما الذي أكفره؟ وعلى القول الثاني تكون تعجبية يعني عجباً له كيف كفر مع أن كل شيء متوفر لديه في بيان الحق والهدى!! والكفر هنا يشمل كل أنواع الكفر، ومنه إنكار البعث فإن كثيراً من الكفار كذبوا بالبعث، وقالوا: لا يمكن أن يُبعث الناس بعد أن كانت عظامهم رميماً كما قال تعالى: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78]. ولهذا قال: {من أي شيء خلقه} استفهام تقرير لما يأتي بعده في قوله: {من نطفة خلقه} يعني أنت أيها الإنسان كيف تكفر بالبعث؟ من أي شيء خلقت؟ ألم تخلق من العدم لم تكن شيئاً مذكوراً من قبل فوجدت وصرت إنساناً فكيف تكفر بالبعث؟ ولهذا قال: {من نطفة خلقه} والنطفة هي في الأصل الماء القليل، والمراد به هنا ماء الرجل الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب يلقيه في رحم المرأة فتحمل {فقدره} أي جعله مقدراً أطواراً: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، كما في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». فالإنسان مقدر في بطن أمه من الذي يقدره هذا التقدير؟ من الذي يوصل إليه ما ينمو به من الدم الذي يتصل به بواسطة السرة من دم أمه؟ إلا الله عز وجل، ولهذا قال: {ثم السبيل يسره} السبيل هنا بمعنى الطريق يعني يسر له الطريق ليخرج من بطن أمه إلى عالم المشاهدة، ويسر له أيضاً بعد ذلك ما ذكره تعالى في قوله: {وهديناه النجدين} [البلد: 10]. يسر له ثديي أمه يتغذى بهما، ويسر له بعد ذلك ما فتح له من خزائن الرزق، ويسر له فوق هذا كله وما هو أهم وهو طريق الهدى والفلاح وذلك بما أرسل إليه من الرسالات، وأنزل عليه من الكتب، ثم بعد هذا {أماته} الموت مفارقة الروح للبدن. {فأقبره} أي جعله في قبر، أي مدفوناً ستراً عليه وإكراماً واحتراماً؛ لأن البشر لو كانوا إذا ماتوا كسائر الميتات جثثاً ترمى في الزبال لكان في ذلك إهانة عظيمة للميت ولأهل الميت، ولكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده هذا الدفن، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فأقبره} قال: أكرمه بدفنه. {ثم إذا شاء أنشره} أي إذا شاء الله عز وجل {أنشره} أي بعثه يوم النشور ليجازيه على عمله. وقوله: {ثم إذا شاء أنشره} يعني أنه لا يعجزه عز وجل أن ينشره لكن لم يأتِ أمر الله بعد ولهذا قال: {كلا لما يقضي ما أمره} {لما} هنا بمعنى (لم) لكنها تفارقها في بعض الأشياء، والمعنى أن الله تعالى لم يقضِ ما أمره، أي ما أمر به كوناً وقدراً، أي أن الأمر لم يتم لنشر أو لانشار هذا الميت بل له موعد منتظر، وفي هذا رد على المكذبين بالبعث الذين يقولون لو كان البعث حقًّا لوجدنا آباءنا الان، وهذا القول منهم تحدي مكذوب؛ لأن الرسل لم تقل لهم إنكم تبعثون الان، ولكنهم قالوا لهم إنكم تبعثون جميعاً بعد أن تموتوا جميعاً. ثم قال عز وجل مذكراً للإنسان بما أنعم الله عليه {فلينظر الإنسان إلى طعامه}. أي فلينظر إلى طعامه من أين جاء؟ ومن جاء به؟ وهل أحدٌ خلقه؟ وينبغي للإنسان أن يتذكر عند هذه الاية قول الله تبارك وتعالى: {أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون. لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون. إنا لمغرمون بل نحن محرومون} [الواقعة: 65، 67]. من الذي زرع هذا الزرع حتى استوى ويسر الحصول عليه حتى كان طعاماً لنا؟ هو الله عز وجل، ولهذا قال {لو نشاء لجعلناه حطاماً} أي بعد أن نخرجه نحطمه حتى لا تنتفعوا به. {أنا صببنا الماء صبًّا} يعني من السحاب {ثم شققنا الأرض شقًّا} بعد نزول المطر عليها تتشقق بالنبات. {فأنبتنا فيها} أي في الأرض {حبًّا} كالبر والرز والذرة والشعير وغير ذلك من الحبوب الكثيرة {وعنباً} معروف {وقضباً} قيل: إنه القت المعروف {وزيتوناً} معروف {ونخلاً} معروف {وحدائق غلباً} حدائق جمع حديقة، والغلب كثير الأشجار {وفاكهة} يعني ما يتفكه به الإنسان من أنواع الفواكه {وأبًّا} الأب نبات معروف عند العرب ترعاه الإبل {متاعاً لكم ولأنعامكم} يعني أننا فعلنا ذلك متعة لكم، يقوم بها أودكم، وتتمتعون بها أيضاً بالتفكه بهذه النعم.
ثم لما ذكر الله عز وجل الإنسان بحاله منذ خلق من نطفة حتى بقي في الدنيا وعاش، ذكر حاله الاخرة في قوله:
{فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَـحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَـحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ}.
{فإذا جاءت الصاخة} يع
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى