amr mamdoh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دخول
amr tv 2
أختر لغة المنتدى من هنا

اذهب الى الأسفل
عمرو ممدوح
عمرو ممدوح
Admin
عدد المساهمات : 175
نقاط : 534
تاريخ التسجيل : 04/05/2009
العمر : 34
الموقع : amrtv.co.cc

صفحتى
1: amr.co.cc
http://amrtv.yours.tv

تابع تفسير سورة الحجرات  Empty تابع تفسير سورة الحجرات

الثلاثاء نوفمبر 23, 2010 9:01 am

ثم قال سبحانه وتعالى : ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿9﴾

ســبــب نــزول هذه الآيـــة :ـ
هذه الآية ساق فيها العلماء حديثاً عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبيّ ، فانطلق إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون في أرض سبخة ( أي يصدر منها غبار) فلما أتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عبد الله بن أبيّ : إليك عني فوالله لقد آذاني نتن حمارك ، فقال رجل من الأنصار : والله لنتن حمار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبد الله رجل من قومه وغضب لكل واحد منهما أصحابه وكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، قال أنس ـ رضي الله عنه ـ فبلغنا أنها نزلت فيهم .
وقال مجاهد ـ رحمه الله ـ : نزلت في الأوس والخزرج تقاتل حيان من الأنصار بالعصي والنعال فنزلت الآية .

تفسير الآيـــة:-
يقول تعالى : ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾أي: حصل بينهما قتال: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ أي اسعوا أيها المؤمنون في الإصلاح بين هاتين الطائفتين المتقاتلتين ، نذهب إلى هذه الطائفة وتلك الطائفة للإصلاح بينهما بأي طريقة يحصل فيها الإصلاح إما بدفع المال أو بجاه أو بسلطان المهم أن يحصل صلح ، وفي هذا فائدة أن لا يكون الإنسان سلبياً بل يسعى في الإصلاح بين الناس حين حصول الخصام بينهم فإذا تم الصلح قد يأتي من ينقضه لذا قال الله عز وجل : ﴿ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى ﴾ أي لو أن طائفة بعد أن تم الصلح عادت تقاتل فهنا نؤدب الفئة الباغية لذلك قال سبحانه: ﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ﴾ أي فأدبوا التي اعتدت حتى ترجع إلى أمر الله وما يقتضيه شرع الله .
بغت : اعتدت .
إحداهما: إحدى الطائفتين.


قال سبحانه : ﴿ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ أي حتى ترجع إلى شرع الله وأمره .

قال عز وجل : ﴿ فَإِنْ فَاءَتْ ﴾ أي امتنعت عن القتال ووضعت السلاح فإننا لا نقاتلها وإنما نصلح بينهما بالعدل فننظر إلى الإصابات والجروح وما تلف من الأموال فنقدر ذلك بالعدل والقسط لا نظلم طائفة على طائفة بل نعدل بينهما , لذلك قال سبحانه : ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ﴾ وهنا تنبيه عظيم من الله نلاحظ في الآية أن الإصلاح الأول مطلق ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ أم الثاني فمقيد بالعدل والقسط ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ﴾ فلماذا جاء في الآية الثاني ﴿ بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ﴾ مع أن الإصلاح الأول لا بد فيه من العدل والإقساط؟
هذا والله أعلم لأن الأمر الأول ليس هناك ما يدعوا إلى الميل إلى طائفة دون طائفة أما الثاني فإن النفوس تميل إلى المظلوم لأن هناك طائفة باغية معتدية وقد جرت عادة الإنسان أن يميل إلى المظلوم فناسب أن ينبه إلى العدل والقسط , فكأن معنى الآية لا يحملكم ظلم الظالم ووقوع الظلم على المظلوم أن لا تعدلوا بل لابد من العدل والقسط فننظر إلى ما يستحق هذا وما يستحق هذا ، وقيل لأن الإصلاح الأول لوقف القتال فقط, والإصلاح الثاني في تقدير الأضرار، فلذلك ينبغي للإنسان إذا كان يتلو كتاب الله أن يتنبه إلى مثل هذه الأشياء يقول سبحانه في الآية الأولى : ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ وفي الآية الثانية ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ﴾ فعليك أن تتأمل الآيات وأن تتمعن وأنت تقرأ .

قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ في هذا حث على أن الإنسان يكون من المقسطين وكما جاء في الحديث : { المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن } فهذا فضلٌ من الله سبحانه وتعالى. قال في آخر الحديث { الذين يقسطون في أهليهم وما ولُوا } والإقساط بين الناس يحصل في كل شيء في القضاء بينهم والإصلاح بين المتخاصمين حتى بين أولادك إذا اختصموا , فإذا فعلت ذلك تحصل على هذه المرتبة العظيمة وتدخل فيمن يحبهم الله عز وجل .

من فوائد الآية:ـ
1) أن الاقتتال قد يقع بين المسلمين.
2) أن الذنوب وإن عظمت لا تخرج من الإيمان.
3) الأمر بالإصلاح بين المتخاصمين .
4) تحريم البغي.


5) قتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله .
6) وجوب الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل والقسط .
7) إثبات محبة الله للمقسطين .
Coolالحث على العدل .

ثم قال الله عز وجل تبعاً للآية السابقة : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿10﴾

تفسير الآيـــة:-
قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
إخوة : إخوة ٌ في دين الله عز وجل والأخوَّة الإيمانية لا تنقطع أبداً مستمرة في حال الحياة وفي حال الموت ولذلك رابطة الإيمان مستمرة منذ زمن آدم حتى قيام الساعة ولذلك نجد أن الإسلام اعتنى بتربية الأخوَّة الإيمانية وتقديمها على أخوَّة النسب حين اختلاف الدين وأن العبرة بدين الإنسان واستقامته وسيأتي زيادة تفصيل عند قوله تعالى : ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ لكن نحن في مناسبة هذه الآية التي جاءت بعد قتال أهل البغي قال سبحانه : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ تنبيه على أننا أمرناكم بالإصلاح لأن القتال حاصل بين إخوة ليس بين أعداء والإنسان لا يحب أن يزداد الخلاف بين الإخوة ويستفيد الإنسان وجوب العناية بإخوانه المسلمين ولو رجعنا إلى عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وما حصل بينهم في شأن الأخوَّة والمحبة فيما بينهم لوجدنا شيئاً عظيماً ، لذلك ننصح بالرجوع إلى كتب سير الصحابة .

قال سبحانه : ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ هذا أمر من الله بالتقوى وبيَّن العلة في ذلك لعل ذلك أن يكون سبباً لرحمة الله بكم وفيه تذكير بأن التقوى سبب لكل خير وإذا حصلت التقوى منكم كان ذلك سبباً في رحمة الله لكم وقد سبق بيان معنى التقوى في الآية الأولى .

من فوائد الآية:ـ
1) إثبات الأخوَّة الإيمانية.
2)استخدام الألفاظ التي تحث الإنسان على تنفيذ الأمر المطلوب لقوله تعالى: ﴿ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾.



3) الحث على تقوى الله .
4) أن التقوى من أسباب الرحمة.

ثم قال سبحانه وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿11﴾

تفسير الآيـــة:-
هذه الآية الكريمة مفتتحة أيضاً بالنداء وقد أسلفت أن هذه السورة جامعة لأمور عظيمة للإنسان في أمور عقيدته وعبادته وتعامله مع عباد الله لذلك صُدِّرت آيات منها بالنداء بوصف الإيمان وقد تقدم معنا النداء وفائدته وأهميته في الآية الأولى .
يخاطبنا الله تعالى بوصف الإيمان : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ .
السخرية : هي الاستهزاء , فيكون معنى الآية الكريمة لا يستهزئ قوم من قوم .
قال سبحانه : ﴿ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ﴾ يعني لا يسخر رجال برجال فعسى أن يكون هذا المسخور منه خيرٌ من هذا الساخر وفي قوله تعالى : ﴿ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ﴾ تنبيه للإنسان أن لا يغتر بنفسه وما يظهر له من الناس , قد يظهر لك من أحد الناس أنه ضعيف العلم فيأتي هذا الرجل ويسخر منه فيقال له : عسى أن يكون خيراً منك في العلم , قد يسخر منه في جانب العبادة فيقال له : عسى أن يكون خيراً منك , قد يسخر منه في جانب الفصاحة فيقال له : عسى أن يكون خيراً منك , قد يسخر منه في موقف من المواقف فيقال له : عسى أن يكون خيراً منك في هذا الموقف .

قال سبحانه ﴿ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ ﴾ الأصل في الشريعة التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام إلا ما دل الدليل على اختصاصه بأحدهما فإذا ذكر القوم فيدخل فيه الرجال والنساء لأن القوم مجموعة الرجال والنساء وإذا ذكر القوم والنساء في سياق واحد فالقوم هم الرجال والنساء هن الإناث, فيظن بعض الناس أن الله خص النساء لأن عندهن مزيد من السخرية ورد هذا بعض أهل العلم وقالوا: ليس الأمر هكذا ولكن الله تعالـى لما قال القـوم انصرف ذلك إلى الرجـال


ولم يدخل فيه النساء فنص على النساء . فلا يكون حينئذ هناك مزيد تخصيص للنساء على الرجال بل هم في ذلك على حد سواء وإنما ذكرت النساء لأن القوم المراد بهم الرجال بدليل قوله تعالى: ﴿ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ﴾ ثم قال الله مخاطباً النساء ﴿ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ﴾ أيضا لا تسخر المرأة من المرأة فربما كانت تسخر منها للباسها وأنها فقيرة مثلا فيقال للساخرة : عسى أن تكون خيرا منك وربما تسخر منها لعدم جمالها فيقال لها: عسى أن تكون خير منك في أمور أخرى وهذه الأمور قد لا تعلمها الساخرة .

الثاني مما جاء في هذه الآية الكريمة يقول سبحانه ﴿ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ .
اللمز : هو العيب . يقال لمزه : أي عابه .
هنا سؤال يقول سبحانه ﴿ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ فهل الإنسان يلمز نفسه يعني يعيب نفسه ؟
1) قال علماء التفسير في الآية تنبيه للإنسان على أن المؤمن كنفسك أنت يعني لا تلمز المؤمن لأنه كلمزك لنفسك إذ أن المؤمن الواجب له الاحترام والتقدير فإذا لمزته وعبته كأنك عبت نفسك ومثلوا له بقوله سبحانه وتعالى : ﴿ فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي فليسلم بعضكم على بعض , فيكون المعنى لا يعب بعضكم بعضا وإنما عبر بأنفسكم حتى يعلم الإنسان انه إذا عاب أخاه المؤمن فكأنما عاب نفسه .
2) وقال بعض العلماء : أنك إذا عبت هذا الشخص رد عليك وعابك فحينئذ قد لمزت نفسك لأنك أنت السبب في عيبه لك ومثل له العلماء بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { لعن الله من لعن والديه } فقالوا: كيف يلعن الرجل والديه ؟ قال : { يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه } يعني لأنه على سبيل التسبب ، وعلى المعنى الأول مبالغة في تنفير الناس من هذا الأمر يعني أيها العائب لغيرك فكأنك تعيب نفسك .

ثم قال تبارك وتعالى : ﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ كان الناس يلقب بعضهم بعضا وكان ذلك مشهورا في الجاهلية والإسلام لكن من هذه الألفاظ ما يكون مكروها ومنها ما يكون محبوبا والذي في الآية الكريمة الألقاب المذمومة وأما الألفاظ المحبوبة فإنه لا نهي عنها فإن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان يلقب بالصديق وليس هذا من التنابز وعمرـ رضي الله عنه ـ يلقب بالفاروق وعثمان ـ رضي الله عنه ـ يلقب بذي النورين وليس هذا من التنابز ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ .


فالألقاب تنقسم إلى قسمين :ـ
1) ألقاب محمودة : هذه لانهي عنها .
2) ألقاب مذمومة : يكرهها الإنسان فهذه التي معنا في الآية الكريمة يقول سبحانه: ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ أي لاينبز بعضكم بعضاً باللقب الذي يكرهه ، وهذه الأمور الثلاثة وهي النهي عن السخرية والنهي عن اللمز : أي العيب ، والنهي عن التنابز لها فائدة عظيمة وهي تماسك المجتمع الإسلامي لأنه إذا كان بعضنا يسخر من بعض ، وبعضنا يلمز بعض ، ونتنابز بالألقاب فستحصل بيننا العداوة والفرقة . والعداوة والفرقة لا يريدها الله لأن الله أمرنا بالاجتماع فقال سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم : { عليكم بالجماعة } . فإذاً الجامع في هذه الأمور تفكك هذا المجتمع وأن يكون كل فرد مستقلاً بنفسه . بل ربما أصبح كل واحد يبحث عن معايب الآخر هذا ليس شأن المؤمن فقد قال صلى الله عليه وسلم: { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا } وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه ...... } .

قال سبحانه : ﴿ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ أي بئس لكم أن تستبدلوا اسم الإيمان باسم الفسوق فبعد أن كنتم تحملون وصف الإيمان أصبحتم تحملون وصف الفسوق بهذه الأمور الثلاثة. أي إذا فعلتم هذه الأمور أو أحدها فقد استبدلتم اسم الإيمان بالفسوق يقول سبحانه: ﴿ بَعْدَ الإِيمَانِ ﴾ وفائدة التعبير بقوله سبحانه ﴿ بَعْدَ الإِيمَانِ ﴾ التنفير من هذه الأمور الثلاثة لأنك إذا قلت للإنسان ستوصف بكذا وكذا إذا فعلت كذا بعد وصف محبب كان متصفاً به فإن ذلك تنفير له من ذلك العمل .

قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ ﴾ من الأشياء الثلاثة السابقة لأنها أقرب مذكور فالذي لا يتوب من هذه الأشياء يقول سبحانه وتعالى عنه: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الظلم: في الأصل يقع على الغير يقال : فلان ظلم فلاناً فأين المظلوم هاهنا ؟ المظلوم هي نفسك أنت أيها الإنسان يقول سبحانه: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ أي لأنفسهم بارتكابهم المعاصي فلقد ظلمت نفسك لأنك عرضتها لعقابه سبحانه وتعالى وإذا كان الناس يقولون :
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند


فكيف بظلم الإنسان لنفسه ففي قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ فمن لم يتب من هذه الأشياء ويرجع إلى الله فهو ظالم لنفسه وكذلك ظالم لإخوانه بالعدوان عليهم بالسخرية واللمز والنبز.
ذكر العلماء أن بعض الناس يوصف بلقب قد يكون مكروهاً عند عامة الناس لكنه لا يكرهه. فهل ينادى به أو لا ؟ إذا نظرنا في حال الرجل فينادى به لأنه يرضى به، وإذا نظرنا إلى الناس لا ينادى به لأنه قد يسمعك آخر لا يعرف أن هذا الرجل يرضى به فيتهاون في هذا الأمر خاصة إذا كان المتكلم ممن يقتدى به هذا وجه من المنع أما الوجه الثاني فسوف يساء بك الظن كيف فلان ينبز فلاناً باللقب الفلاني ، يقول سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ التوبة لها شروط هي :
1) أن يخلص لله تعالى في التوبة.
2) الندم على ما فعل .
3) أن يقلع عن الذنب في الحال .
4) أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل.
5) أن تكون التوبة في وقت قبولها.

مســـألــة:ـ
هل يشترط للإنسان في توبته من هذه الأمور يعني سخر من إنسان أو لمزه أونبزه بلقب يكرهه أو اغتابه فهل يشترط في توبته أن يذهب إليه ويستحل ؟
على ثلاثة أقوال لأهل العلم : ـ
1) من العلماء من قال لابد من الاستحلال فتذهب إليه وتقول قد سخرت منك في مجلس كذا وكذا وأنا نادم على ما حصل مني.
2) لا يلزم ويكفي التوبة بينك وبين الله لأنك إذا أخبرته قد يقع في قلب هذا الرجل شيئا عليك ويرى أنك قد اعتديت عليه فيبقى في نفسه شيء عليك وربما تحصل عداوة.
3) التفصيل : إذا علم الرجل بما قلت فيه فتذهب إليه وتستحل منه لان المفسدة التي يخشى منها وقعت لأنك إذا جئت قد يزول الذي في نفسه وإذا لم يزل فإنك لم تحدث شيئا، أما إذا لم يعلم فيكفي مع التوبة أن تستغفر له وتدعو له وتذكره بالخير في المجلس الذي اغتبته فيه أو سخرت منه فيه ، وهذا هو القول الراجح.





من فوائد الآية:ـ
تحريم السخرية.
التنبيه على أن المسخور منه قد يكون خير من الساخر .
تحريم عيب الناس ولمزهم .
اختيار اللفظ المناسب للتحذير من فعل مّا لقوله ﴿ أَنْفُسَكُمْ ﴾.
تحريم التنابز بالألقاب .
أن من فعل أحد الأمور الثلاثة المنهي عنها فهو فاسق .
التحذير مما يفسد الأخوَّة الإيمانية .
تحذير الإنسان من الانتقال من الأوصاف الحسنة إلى الأوصاف القبيحة.
الحث على التوبة .
10) أن العاصي ظالم لنفسه بمعصيته.

ثم قال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴿12﴾

تفسير الآيـــة:-
يقول الله عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ هذا هو النداء الخامس لأهل الإيمان في هذه السورة الكريمة وقد سبق أن تكلمنا في النداء وأهميته في الآية الأولى .

قال الله عز وجل ﴿ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ سبحان الله أمرنا الله أن نجتنب كثيرا من الظن لماذا ؟ لأن بعضه إثم يقول تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ نهى سبحانه عن كثير من الظن لأن بعضه إثم والإنسان يخاف من الإثم ولو كان في البعض .
والظن: أن يكون لدى الإنسان احتمالان يترجح أحدهما على الآخر.
فالظن هو الاحتمال الراجح من الأمرين ، يأمرنا سبحانه أن نترك الظن لأن بعضه إثم والظن قد يكون ليس بإثم لأن الله قال : ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ فدلت الآية بأن بعضه ليس بإثم أيضا فمثلاً إذا ظن الإنسان بأخيه خيراً فهذا لا يأمرنا سبحانه باجتنابه بل هو محمود فظن الخير بأهله مأمور به, وهناك ظن إثم لا ينهى عنه وهو الظن بشخص إذا دلت القرينة عليه لأنه هو الذي أوقع نفسه فيه وهناك ظن محرم وهو ظن السوء بدون قرينة ولا دليل.

لو قال قائل :ـ
أيهم أكثر الظن المنهي عنه أو الظن المباح ؟
يقول شيخنا الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : الظن المباح أكثر لأنه يشمل نوعاً كاملاً من أنواع الظن وهو ظن الخير ، ويشمل كثيراً من ظن السوء الذي قامت القرينة على وجوده .
فتحصّل من ذلك أن الظن ينقسم إلى:ـ
1) ظن حسن مأمور به .
2) الظن السيء الذي قامت عليه القرينة وهذا جائز، وعلى الإنسان أن لا يتوسع في الظن ويقول هذه قرينة وهذه قرينة ثم يقع في المنهي عنه والمحظور .
3) الظن السيء الذي لم تقم عليه قرينة ولا دليل وهو الوارد في الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ .

ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾ نهى سبحانه وتعالى عن التجسس .
التجسس : هو طلب معايب الغير نهانا سبحانه وتعالى عن التجسس لما يحصل فيه من أضرار .
أشار القرطبي ـ رحمه الله ـ إلى ملحظ لطيف في هذه الآية وقد سبق أن قلنا علينا أن نتدبر القرآن ونتمعن ما فيه، فلماذا قدم الظن على التجسس ؟
لأن الإنسان إذا ظن ظن السوء سينتقل إلى مرحلة أخرى وهي التجسس ليتأكد ثم بعد التجسس سوف يغتاب ذلك الرجل بذكر معايبه.
ترتيب عجيب في هذه الآية الكريمة هذا الرجل ظن الظن السيء ثم ذهب يتجسس ثم ذهب يغتاب عند الناس ما أعظم كلام الله تعالى ، بعضها يجر بعض وكل واحد منها قد ينفرد لا تظن أنها متلازمة ولكن انظر إلى هذا التسلسل العجيب لأن الله هو الخالق لهذا الإنسان وهو العالم كيف تتسلسل في النفس وفيه تنبيه من جانب آخر أنه يجب على الإنسان أن يغلق أبواب الشر على نفسه لأنه إذا فتح باب الظن أنفتح باب التجسس ثم إذا امتلأ القلب بهذه الأمور المنكرة أصبح يفرِّغها في المجالس التي يجلس فيها .

ثم قال سبحانه: ﴿ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾
الغيبة : فسرها وبيّنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أعلم الناس بمراد الله تعالى فقال لما سئل عن الغيبة:{ ذكرك أخاك بما يكره } أي شيء يكرهه وتذكره به فإنه من غيبته قال أهل العلم : سواء في خُلقِه أو في خِلقته أو في عقله أو في أولاده كل ما يكرهه فإنه غيبة .


وهذا يسميه العلماء فائدة الإطلاق لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أطلق فأفاد الشمول لكل شيء يكرهه هذا الرجل , لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقيده بأمر.
استثنى العلماء أشياء من الغيبة تكون مباحة ويهمنا منها التظلم ونضرب له مثالاً: لو أن امرأة جاءت إلى أبيها وقالت إن زوجي يفعل كذا وكذا مما يكره أن يذكر به أمام الناس ولا يحب أن يطلع عليه أحد ولكن هذه البنت تتظلم لوالدها فهل هذا جائز أم لا ؟ قال أهل العلم : إذا كان التظلم لمن يملك رفع الظلم فإن ذلك ليس من الغيبة.

لو تحدث الإنسان عند من لا يستطيع رفع المظلمة ولكن تحدث من باب التخفيف عن نفسه فهل ذلك جائز ؟
يقول شيخنا الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : الظاهر أنه جائز لعموم قوله تعالى: ﴿ لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ ﴾

ثم قال سبحانه: ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ هذا التشبيه فيه تنفير من الغيبة وذلك أن الله مثلها بأن يأتي الإنسان إلى أخيه الميت فيأكل منه والعياذ بالله يعني هل أحدكم يحب إذا مات أخوه أن يأكل من لحمه ؟ أبداً لا أحد يحب ذلك بل الميت محل الرحمة ولذلك تجد أن الإنسان يسعى في إكرامه بسرعة وذلك بحمله وغسله وتطييبه وتكفينه وحمله والصلاة عليه المقصود أنه يحب إكرام الميت , هذا الذي يغتاب بخلاف هذه الصورة لذلك كان هذا التشبيه أبلغ ما يكو ن من التنفير من الغيبة ويذكر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يمشي ذات يوم وكان معه رجلان فسمعهما يغتابان فمر عليه الصلاة والسلام بحمار قد أشغر يعني انتفخ بطنه وتباعدت رجلاه فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أين فلان وفلان فقالا : ها نحن يا رسول الله قال أنزلا وكلا من جيفة هذا الحمار فقالا: يا نبي الله ومن يأكل من هذا قال عليه الصلاة والسلام : فما نلتما من عرض أخيكما أشد من الأكل منه هذه القصة وقعت لما رجم ماعز الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ بسبب اعترافه بالزنا تكلما فقال أحدهما للآخر: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجم رَجم الكلب هذا الذي ذكر في ما عز ـ رضي الله عنه ـ ثم قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها }، فهذا تنفير تام من الغيبة ، ويذكر أيضا أن إحدى زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: حسبك من فلانة أنها كذا وكذا وتشير بيديها على أنها قصيرة فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته } .


لذلك عد العلماء رحمهم الله الغيبة من كبائر الذنوب .

يقول سبحانه ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ .
فكرهتموه : أي كرهتم الأكل من هذا و يمكن أن يقال فكرهتم هذا الآكل لأنكم ستكرهون الذي يأكل من لحم أخيه ميتاً فيكون المعنى من وجهين :ـ
1) الأكل هذا مكروه عندكم .
2) كذلك الذي يأكل مكروه .
فالغيبة مكروهة والمغتاب مكروه .

مســـألــة:ـ
هل تتساوى غيبة الناس كأن تغتاب عالماً أو تغتاب رجلاً من عامة المسلمين ؟
ج / لا تتساوى . غيبة العالم ليست كغيبة غيره من الناس . لماذا ؟ هل لأنه تقديس لذات العالم ؟ لا ليس تقديساً لذاته وإنما يقول أهل العلم : لأنه إذا اغتابه نزلت منزلته في أعين الناس فنزل ما يحمل من العلم ولم يستفيدوا من علمه . فكان ذلك راجع إلى الأثر وهو الطعن فيما يحمله من العلم وكذلك غيبة الأمراء ليست كغيبة عامة الناس

ثم ختم الله عز وجل هذه الآية بأمره لنا بالتقوى فقال ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي حذرناكم من هذه الأمور وأمرناكم باجتناب التجسس وعن الغيبة فاتقوا الله وأطيعوه في ذلك فإن وقعتم ، من أين أخذنا فإن وقعتم من قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ لأن التوبة لا تحصل إلا بعد ذنب فإن وقعتم فتذكروا أن الله تواب رحيم يقول أهل العلم :ـ " وهذا الختام من الله سبحانه وتعالى بهذين الاسمين العظيمين التواب الرحيم حث لمن وقع في شيء من هذه الأمور بأن يتوب من ذلك فانظروا إلى عموم رحمة الله سبحانه وتعالى إذا وقعتم في ذنب فلا تيأسوا ولكن ارجعوا إليه سبحانه وتعالى وتوبوا إليه مما وقعتم فيه من المعاصي فإنه تواب رحيم وهذا من فائدة التأمل في خواتم الآيات .

من فوائد الآية:ـ
1) الأمر باجتناب الظن السيء .
2) النهي عن التجسس .
3) النهي عن الغيبة .
4) التنفير من الغيبة .


5) تصوير الأمر المنهي عنه بالصورة البشعة تنفيراً منه .
6) استخدام اللفظ الذي يكون أقرب في التزام الأمر أو تجنب النهي لقوله سبحانه تعالى: ﴿ لَحْمَ أَخِيهِ ﴾ .
7) إثبات اسمين من أسماء الله عز وجل وهما التواب والرحيم وما تضمناه من صفة.
Cool الحث على التوبة من تلك المنهيات .

ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿13﴾

ســبــب نــزول هذه الآيـــة :ـ
ذكر بعض أهل العلم أن لها سبباً في النزول وهو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر رجلاً بأن يتزوج من قبيلـة من القبائـل فلما ذهـب لهم الرجـل وكـان من مواليهم فقالوا: نزوج أبنتنا من موالينا ، فأنزل الله هذه الآية الكريمة . في هذه الآية نداء ولكن لعامة الناس أما النداء السابق وما قبله فهو للذين آمنوا أما هذا فللناس جميعاً ومناسبة توجيه النداء للناس كافة أن هذا الأمر وهو التفاخر بالأحساب والأنساب يقع من المسلم وغير المسلم فترى واقع الناس الآن من الشعوب من تفتخر على من سواها ويرون أنهم أهل التقدم وهم أهل الصناعة وغير ذلك فذكر الله الناس جميعاً بأصلهم أنهم خلقوا : ﴿ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ ومعنى ذكر وأنثى في هذه الآية على قولين لأهل العلم : ـ
1) الذكــر: آدم عليه السلام.
والأنثى: حواء.
فيكون المعنى يا أيها الناس إن خلقناكم من آدم وحواء فمرجعكم واحد.
2) ذكر: وهو الأب .
أنثى: وهي الأم.
فيكون معنى الآية الكريمة يا أيها الرجل الذي تفخر علي أنت مخلوق من ذكر وأنثى وأنا مخلوق من ذكر وأنثى لك أب ولي أب ولك أم ولي أم. والآية تحتمل هذا المعنى وأكثر علماء التفسير على المعنى الأول.

ثم قال سبحانه : ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ ومعنى شعوباً وقبائل في هذه الآية على قولين لأهل العلم :ـ



1) الشعوب: قال بعض أهل العلم: هم العجم.
والقبائـل: هم العرب
2) الشعوب: هم أصول القبائل يعني الذي يجمع عدة أفخاذ.
والقبائـل:هي المتفرعة من هذا الأصل.
يقال قريش شعب وما تفرع من قريش يسمى قبيلة وقيل إن الشعب هم المضافون إلى النواحي والشعاب، والقبائل هم المشتركون في الأنساب.
فالله سبحانه وتعالى جعلنا شعوب وقبائل لأجل ماذا؟
جاء الجواب بقوله تعالى : ﴿ لِتَعَارَفُوا ﴾ على معنيين :ـ
1) أي جعلناكم شعوباً حتى تـُعرفوا حتى إذا جئت يقال هذا من شعب كذا وكذا وهذا من القبيلة الفلانية لتعارفوا لا أقل ولا أكثر أي ليحصل بينكم تعارف.
2) لتعارفوا: أي يحصل بينكم صلة الرحم تعرف أن هذا قريب منك فتعلم أن له حق الصلة.

والآية تحتمل المعنيين حتى يعرف بعضكم بعضاً وحتى يصل الآخر قريبه ويعطيه ماله من حق الصلة , ثم ختم الله هذه الآية بأمر جامع فقال سبحانه ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ لما تقرر في أول الآية أن الناس ينقسمون إلى شعوب وقبائل وكان من عادات الناس أن يرفعوا قبيلة ويضعوا أخرى جاء التنبيه من عند الله تعالى أن محل الفخر والرفعة الحقيقية هي التقوى فقال سبحانه وتعالى ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾أي العامل بتقوى الله سبحانه وتعالى ، وهنا والله أعلم جاءت الآية بهذه الصيغة ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ أي أن هذا الرجل أو المرأة إذا كان كريماً عند الله فيجب أن يكون كريماً عند عباد الله .

ثم قال سبحانه : ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾
عليم : بالظاهر .
خبير : بالباطن .
وكأن الله نبه الإنسان أن لا يظهر التقوى والصلاح وهو ليس كذلك ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ عالم بباطنك .





من فوائد الآية:ـ
1) بيان أن الإنسان خلق من ذكر وأنثى حتى لا يتكبر أحد على أحد .
2) بيان حكمة الله في جعل الناس شعوباً وقبائل من أجل التعارف .
3) بيان من هو الأكرم عند الله .
4) الحث على تقوى الله .
5) الإشادة بالمتقي لقوله تعالى: ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ .
6) إثبات علم الله عز وجل بالظاهر والباطن.
7) استنبط بعض العلماء أن الكفاءة في النكاح لا تشترط .
Cool إثبات اسمين من أسماء الله عز وجل وهما العليم والخبير وما تضمناه من صفة .

ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿14﴾
ســبــب نــزول هذه الآيـــة :ـ
لها أكثر من سبب نزول: ـ
جاء في سبب نزولها أن طائفة من الأعراب قدموا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا: يا رسول الله آمنا , ومن المعلوم أن هناك فرقأً بين الإسلام والإيمان فالإسلام هو الظاهر والإيمان هو الباطن وجاء في أركان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ففرق بين الإسلام والإيمان . فهؤلاء الأعراب أول ما نطقوا بالشهادتين قالوا : آمنا ,وهم مسلمون لم يؤمنوا بعد فقال سبحانه ﴿ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ والخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعني قل يا محمد لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا .
وقيل:إنها نزلت في جماعة من المنافقين وردَّ بعض أهل العلم هذا القول ومنهم ابن كثير ـ رحمه الله ـ وقال : والصحيح أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يحصل لهم بعد، فأدِّبُوا وأعلمُوا أن ذلك لم يصلوا إليه بعد، ولو كانوا منافقين لعُنِّفُوا وفضحوا .


قال سبحانه : ﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا ﴾
الأعراب: هم أهل البادية .
آمنـَّا: ادعوا الإيمان وهم حدثاء عهد بالإسلام.

فقال سبحانه : ﴿ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ لأن الإيمان مرحلة بعد الإسلام ثم قال سبحانه معقباً على عدم دخول الإيمان في قلوبهم ﴿ وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي لم يستقر في قلوبكم لأن الإيمان في الباطن والإسلام في الظاهر .

ثم قال سبحانه : ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ ﴾
لايلتكم : ـ لا ينقصكم من أعمالكم شيئا يعني لا تظنوا أننا قلنا لكم هذا القول (أنكم أسلمتم ولم تؤمنوا) أن الإسلام لا ينفعكم بل سيثيبكم الله على إسلامكم فيقول سبحانه ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ﴾ يعني لا ينقصكم من أعمالكم شيئاً .

ثم قال سبحانه : ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ مناسبة ختام الآية بهذه الصفات الإشارة إلى قرب مغفرة الله لهم لأنهم لم يعاندوا وهذا ما يرجح أنه من الأعراب وليسوا من المنافقين لأن المنافق يحتاج إلى الشدة والغلظة معه أما هؤلاء فإن قلوبهم قريبة ولذلك ختم الله هذه الآية بقوله ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ أي أنه سيغفر لهم ويرحمهم ويدخل الإيمان في قلوبهم.

من فوائد الآية:ـ
1) أن العبرة ليست بالألفاظ المجردة.
2) رد القول على صاحبه إذا لم يكن صحيحاً.
3) التفريق بين الإسلام والإيمان.
4) أن الإيمان أخص من الإسلام.
5) بيان علاقة الإيمان بالقلب.
6) فضل طاعة الله تعالى وطاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
7) بيان تمام فضل الله وعدله عز وجل.
Cool إثبات اسمين من أسماء الله وهما الغفور و الرحيم وما دلا عليه من صفة الرحمة والمغفرة.

ثم قال سبحانه : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿15﴾

تفسير الآيـــة:-
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ : أي الإيمان الحقيقي والإيمان التام هم : ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ ﴾ الإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوده جل وعلا والإيمان بربوبيته والإيمان بألوهيته والإيمان بأسمائه وصفاته وإذا استكملها الإنسان استكمل الإيمان ثم قال سبحانه : ﴿ وَرَسُولِهِ ﴾ وهو النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يؤمنون به لأنه رسول من رب العالمين وذلك بالعمل بما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وتصديقه فيما أخبر وقد أشار إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ ثم قال سبحانه : ﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾ الريب : هو الشك فيكون المعنى ثم لم يشكوا أو يلحقهم شك فيما آمنوا به من ربهم ورسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بل دخل الإيمان في قلوبهم دون ريب ولا شك وثبتوا عليه واستقاموا عليه ، هذه الآن أشياء قلبية فالإيمان قلبي ، وعدم الريب هذه كلها قلبيه، ثم انتقل إلى شيئاً من أعمال الجوارح فقال: ﴿ وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يقول أهل العلم إن أكثر ما يرد في القرآن من ذكر الجهاد يقدم فيه الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس وفائدة تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس هل هو لأن المال أحب إلى الإنسان من نفسه؟ قال بعض أهل العلم بذلك قالوا : لأن المال محبوب للنفس فترى الإنسان لا يهمه أن يتعب بدنه ولكن لا يحب أن ينفق شيئاً من المال فجاء التنبيه من الله تعالى على هذه المسالة بتقديم الجهاد بالمال على النفس.

والوجه الثاني من تقديم المال على النفس لأن الجهاد محتاج أن تبذل مالاً قبل أن تذهب إليه فأنت محتاج لشراء سلاح قبل أن تذهب ومحتاج لشراء دابة وخاصة في السابق أنت من يشتري عدة قتالك بخلاف الجيوش النظامية هذا وجه آخر في تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس ، وعلى كل حال الآية تحتمل هذا وهذا لأنه لا تعارض بينهما فيقال قدمه لأن المال محبوب على النفوس وقدمه لأنه يسبق الجهاد بالنفس ، لكن في الآية الكريمة قيد مهم وهو قوله سبحانه ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله .



لا رياء ولا سمعة وإنما هو لله سبحانه وتعالى ليس لوطنية ولا لعصبية ولا لإقليمية بل هو قتال في سبيل الله عز وجل وقد بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متى يكون القتال في سبيل الله حينما سئل عن رجل خرج ليقاتل شجاعة وليقاتل للمغنم ويقاتل ليرى مكانه قالوا : أي ذلك في سبيل الله قال عليه الصلاة السلام : { من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله } .

وقال أهل العلم : يدخل في ذلك الجهاد بالعلم لأن المقصود منه أن تكون كلمة الله هي العليا بين الناس في تعاملهم ومعاملاتهم فالجهاد يكون بالسيف والسنان ويكون أيضاُ باللسان والبيان فنستفيد من هذه الآية إذا لم يستطع القتال لتكون كلمة الله هي العليا فهناك جهاد آخر لا يقل أهمية ويكون سبباً لأن تكون كلمة الله هي العليا وهو العلم الشرعي لأنك بهذا العلم تجعل كلمة الله عالية فحينئذ العلم والبيان من أنواع الجهاد في سبيل الله ثم قال سبحانه : ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ أي هؤلاء هم الذين صدقوا في إيمانهم لا الذين قالوا بألسنتهم .

من فوائد الآية:ـ
بيان من هو المؤمن حقاً .
فضل الإيمان وعلو درجته .
التحذير من الشك والريب .
فضل الجهاد بالمال .
فضل الجهاد بالنفس .
أن الجهاد الحق ما كان في سبيل الله.
عدم اقتصار الإنسان على إصلاح نفسه بل يسعى في إصلاح غيره.
الإشادة بمنزلة من اتصف بتلك الصفات لقوله: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾

ثم قال الله عز وجل لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿16﴾

تفسير الآيـــة:-
أي أتعلمون الله بما في قلوبكم وأنكم آمنتم وهو الذي يعلم ما في السماوات والأرض كيف تعلِّمونه وهو العالم بكل شيء، وهذا دليل على شمول علم الله تعالى .


قد يقول قائل:ـ
لو جاءت الآية ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ﴾ ( قلوبكم ) فما فائدة ذكر السموات والأرض؟
ج/ دليل على شمول علم الله وأنه إذا كان يعلم ما في السموات وما في الأرض وأنتم من أهل الأرض فهو يعلم ما في قلوبكم ويعلم أحوالكم فتكون أبلغ .

ثم قال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ وهذه كما قال شيخنا الشيخ ابن عثيمين
ـ رحمه الله ـ من أوسع صفاته عز وجل لأن قوله : ﴿ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ يشمل الخفي والظاهر والعام والخاص فهو عالم بكل شيء سبحانه وتعالى . ومناسبة ذكرها في هذه الآية أنه يعلم ما قلتم أيها الأعراب من الإيمان أو الإسلام ويعلم ما في قلوبكم ويعلم أحوالكم فلا حاجة أن تعلموه وأن تخبروه بدينكم , ومنها أخذ العلماء أنه لا يشرع للإنسان ولا يسن له التلفظ بالنية في صلاته وعبادته فيقال لمن يتلفظ بالنية أتعلم الله بصلاتك الله عالم بك .

من فوائد الآية:ـ
الإنكار على من قال قولاً غير صحيح.
إثبات عموم علم الله سبحانه وتعالى من قوله: ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ .
إثبات أن السموات متعددة .
إثبات اسم العليم وما دل عليه من صفة وهي العلم.

ثم قال سبحانه : ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿17﴾

ســبــب نــزول هذه الآيـــة :ـ
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلو أسعارها وكانوا يقولون لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وجعلوا يمنون عليه فنزلت هذه الآية الكريمة.



تفسير الآيـــة:-
قال سبحانه ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ﴾ كما جاء في سبب النزول يمنون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإسلامهم ثم قال عز وجل : ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾ أي يأيها الناس لا تمنوا عليّ بإسلامكم بل المنة في هدايتكم هي لله سبحانه وتعالى فأنتم لم تهتدوا بقوتكم ولم تهتدوا بحسبكم ولا نسبكم وإنما المنة في هدايتكم لهذا الطريق هي لله سبحانه وتعالى .

ثم قال سبحانه: ﴿ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي أن كنتم صادقين فيما قلتم أن المنة لله تعالى عليكم أي إذا كنتم تشعرون بأن هناك منة وهناك فضل في الإسلام وكنتم صادقين بهذا القول فإن الحقيقة أن المنة لله تعالى بأن هداكم للإيمان وهذا الإسلام .

قال الله عز وجل ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ تأملوا في هذه الآية قليلاً ، السابق من الآيات مثل قوله تعالى ﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا ﴾ جاءت ولكن قولوا أسلمنا في الآية جاءت ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾ هؤلاء الأعراب لم يدعوا الإيمان بل هم يدعون الإسلام والآية جاءت ﴿ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾ فماذا يكون المعنى ؟
يكون المعنى والله أعلم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان أن كنتم صادقين في دعواكم الأولى بقولكم آمنا في قوله تعالى : ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ ويمكن أن يكون المعنى أنهم إذا انتقلوا من الإسلام إلى الإيمان فإن المنة لله تعالى أن صدَقوا في إيمانهم فإذا وصل الإيمان إلى قلوبكم صدقاً وحقاً فالذي منّ عليكم هو الله سبحانه وتعالى وإن كنتم تدعونه فإن المنة هي لله سبحانه وتعالى فلا تفخروا ولا تمنّوا على النبي ـ صلى لله عليه وسلم ـ بذلك .

من فوائد الآية:ـ
1) أن ضعيف الفقه يمن على الله عز وجل بما هو من فضله .
2) رد قول المخالف وإحقاق الحق .
3) بيان أنه ليس لأحد من الخلق منة على الله تعالى بل المنة لله عز وجل .
4) تحذير الإنسان من الإعجاب بنفسه .
5) حث الإنسان على شكر نعمة الله عليه إذا عرف أنها محض فضل من الله .

ثم قال سبحانه في ختام هذا السورة الكريمة : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿18﴾

تفسير الآيـــة:-
ما الفرق بين هذا الآية وقوله تعالى ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿16﴾ ؟
ج/ قوله تعالى ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ المقصود الظاهر والباطن والحاضر والغائب ، أما المعنى في الآية الثانية قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ أي ما غاب فيها وما غاب منها هل يكون المعنى الثاني أقل من المعنى الأول ؟ الصحيح أن كل واحدة منها شاملة، كيف تكون شامله والأولى تشمل الحاضر والغائب والثانية في الغيب نقول الثانية تشمل الحاضر من باب أولى لأنه إذا علم الغائب فإنه يعلم الحاضر من باب أولى لكنه نبه بالغائب جل وعلا على علمه بالظاهر سبحانه وتعالى .
لكن ما مناسبة ذكر قوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ بعد ذكر الإيمان في قوله تعالى ﴿ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾ ؟
ج / أن الإيمان من الغيب ، والباطن لأنه من أعمال القلب.

ثم قال سبحانه ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ أي بما تعملونه أيها الناس إن عملتم الخير فإن الله بصير به عالم به وإن عملتم الشر فإن الله سبحانه عالم به مطلع عليه وسوف يجازي كل إنسان بما عمل ، فيجب على الإنسان أن يتقي الله سبحانه وتعالى وليعلم أن الله بصير بعمله مطلع عليه عالم به جل وعلا وحينئذٍ يكون ذلك سبباً في استقامة الإنسان على طاعة الله وسبباً في بعده عن معصية الله تعالى0

من فوائد الآية:ـ
1) إثبات عموم علم الله تعالى .
2) إثبات أن السماوات عدد.
3) إثبات أن الله سبحانه وتعالى محيط بأعمال العباد .
4) الترغيب في العمل الصالح .
5) التحذير من مخالفة أمر الله عز وجل.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى